هل تخوض الجزائر حربا بالوكالة ضد المغرب نيابة عن طهران؟
بحساب العديد من المؤشرات، فقد أصبح الحضور العسكري لإيران ووكلائها أمرا واقعا في الجوار المغاربي للمغرب. فقبل أيام، اعترف مسؤول إيراني كبير أسبق، بأن عناصر من “فيلق القدس” تنشط في ليبيا تحت ستار “الهلال الأحمر الإيراني“. وقبلها بأيام، نشر موقع ذو مصداقية متخصص في الأسرار السياسية والعسكرية الإفريقية، مقالا كشف فيه عن وجود جنود إيرانيين داخل ثكنات غير بعيدة عن مخيمات تندوف في أقصى جنوب الجزائر. وبعدها بقليل، نشر موقع التسريبات الشهير “ويكيليكس الصحراء“، مقالا يستغرب فيه لكون أكثر من ثلث متابعيه يوجدون بإيران، وهو ما لا يجد له الموقع من تفسير آخر، غير وجود جالية صحراوية كبيرة بإيران بغرض الدراسة والتكوين. وقبل ذلك كله، سبق لمدونين مؤثرين صحراويين بمخيمات تندوف، أن نشروا قبل شهور تدوينات يكشفون فيها لقيادة البوليساريو ضرورة التوجه نحو طهران، لأجل البحث عن سند عسكري فعال يساعدها في “حربها” المستحيلة ضد المغرب.
كشف وزير الخارجية الإيراني الأسبق ورئيس منظمة الطاقة الذرية الإيراني السابق علي أكبر صالحي، في مقابلة له مع صحيفة “خراسان” السبت 1 يناير 2021، أن “قوات فيلق القدس لها وجود واضح في ليبيا”. وأوضح صالحي أن قوات الفيلق “تمارس عملها في ليبيا تحت غطاء الهلال الأحمر الإيراني”، منذ اشتعال الحرب الأهلية هناك في 2011. ويعتبر هذا التصريح النادر لمسؤول إيراني كبير، أول اعتراف رسمي بتواجد عناصر “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني في المنطقة المغاربية. لكن هل هو التواجد الوحيد للفيلق الذي يقوم بالعمليات الخارجية لطهران في منطقتنا؟
وانفضح المستور!
بتاريخ14 ديسمبر 2021، نشر موقع “ساحل أنتلجنس” مقالا أثار مضمونه غضبا رسميا في أعلى هرم السلطة بالجزائر. فحركت ديبلوماسيتها لتكذيب مضمونه واتهام المخابرات الخارجية المغربية بالوقوف وراء الموقع. هكذا كشف الموقع عن تواجد جنود إيرانيين في قواعد للجيش الجزائري، على بعد كيلومترات قليلة من مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف. وذلك “في سياق السباق مع الزمن الذي بدأه الفريق السعيد شنقريحة [رئيس أركان الجيش والرئيس الفعلي للجزائر]،
لتعزيز إشراف حزب الله على جبهة البوليساريو”. وبحسب المقال، فإن “رجل النظام الجزائري القوي قرر اللجوء إلى حزب الله اللبناني، بعد إقراره بمرارة بعجز البوليساريو عن مواجهة الجيش المغربين وتنفيذ استراتيجية زعزعة الاستقرار التي يريدها النظام العسكري الجزائري ضد المغرب”.
ويضيف المقال موضحا أن الوضع تفاقم بالنسبة للبوليساريو وعرابتها الجزائر “بسبب رادارات المراقبة التي تم تركيبها مؤخرا من قبل موريتانيا بالقرب من الزويرات [أقصى شمال شرق موريتانيا]. حيث نُصبت هذه الرادارات مقابلة لمخيمات تندوف، بحيث سوف تغلق الأراضي الموريتانية وتحد من مساحة المناورة المتاحة لميليشيات الجبهة الانفصالية”. ولذلك فإن “استعانة الجنرال شنقريحة بكوادر حزب الله المتمرسين، يضيف المقال، تهدف أولا إلى تعزيز قدرات البوليساريو في تقنيات الحرب غير المتكافئة، بفضل الخبرة الواسعة التي اكتسبها في المواجهات مع الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان وسوريا”.
قبل مقال “ساحل أنتلجنس”، وتحديدا في سبتمبر الماضي، كشف الممثل الدائم للمغرب بجنيف عمر زنيبر عن تواجد كوادر لحزب الله اللبناني بمخيمات تندوف. واتهم الحزب الشيعي الموالي لطهران بتقديم أسلحة “لها القدرة على زعزعة الاستقرار” و “موجهة للقيام بهجمات ضد السكان المدنيين (المغاربة)”.
والأكثر إثارة للقلق، أن مؤشرات أخرى كشف عن تغلغل إيراني متعدد الأبعاد وبعيد المدى، وفي العمق منه تغلغل مذهبي قائم في صمت، ويستهدف اللاجئين بمخيمات تندوف. فثلاثة أيام بعد نشر المقال المذكور، كشف موقع التسريبات الشهير “صحراء ويكيليكس” معطيات تقنية في منتهى الخطورة بهذا الصدد. فقد استغرب محرر الموقع لوجود متابعين للمواقع الإعلامية المقربة من قيادة الجبهة الانفصالية (بما فيها وكالة أنبائها) في إيران، من خلال معطيات موقع امريكي معروف يسمح بمعرفة تفاصيل المصدر الجغرافي للمتابعين. وذلك على الرغم من أن عامة الشعب الإيراني لا يعرفون العربية ولا تهمهم أخبار الصحراء لا من بعيد أو قريب.
ولم يجد “ويكيليكس صحراء” من تفسير لهذه الظاهرة الغربية، سوى أن “القيادة والحليف الجزائري تعاقدا سرا مع طهران، كي تعوض كوبا وليبيا في تكوين المقاتلين، وفتح أبواب الثكنات والجامعات الإيرانية في وجه من لم يستطع من الصحراويين اللحاق بالجامعات الجزائرية، بعدما تخلت دول كثيرة عن القضية الصحراوية بينها كوبا وفنزويلا وليبيا وسوريا ونيجيريا وحتى جنوب إفريقيا”.
عَدُوّ عَدُوّي صديقي
من الواضح من تطورات الأوضاع بأن الأمر بات يتجاوز مرحلة “التنسيق” بين الجزائر العاصمة وطهران، إلى ارتباط البلدين من خلال حلف. فخلال حضور الوزير الأول الجزائري الصيف الماضي تنصيب الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران، عبر الطرفان عن رغبة بلديهما في” التوجه نحو مرحلة جديدة من العلاقات”. وعلى الرغم من أن عبارات المديح كانت هي السائدة بينهما، إلا أن ذلك لم يمنعهما من تمرير رسائل سياسية.
لكن الجزائر تعلم مع ذلك تعلم بأنه لا يمكن الوثوق بإيران. فبعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة عام 1980، أصبحت الجزائر راعية للمصالح الإيرانية في واشنطن. إلا أن هذه العلاقة الجيدة لم تستمر طويلا حتى اتهمت الحكومة الجزائرية، في عهد رئيس الوزراء رضا مالك، إيران بدعمها السياسي والإعلامي لـ “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”. وهو ما انتهى بالجزائر إلى اتهام طهران بالتدخل في شؤونها الداخلية، وبالتالي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في مارس 1993. وتراجعت الجزائر أيضا عن رعاية المصالح الإيرانية في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد حوالي 7 أعوام من ذلك، التقى الرئيسان بوتفليقة وخاتمي على هامش اجتماع للأمم المتحدة، فعادت العلاقات بين البلدين في سبتمبر 2000 ، وتم تبادل السفراء بعد ذلك بعام.
ورغم ان علاقات البلدين قد تطورت بعد ذلك، إلا أن دعم إيران للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية، في كل من اليمن ولبنان والعراق وسوريا يشكل مع ذلك مصدر تخوف بالنسبة إلى بعض الجهات الأمنية الجزائرية. وما يقارب بين المستوى السياسي والعسكري في البلدين في الواقع، هو كونهما يلتقيان في عدائهما للمغرب لأسباب متباينة، أي وفق قاعدة “عدو عدوي صديقي”. وقد ظهر هذا التحالف جليا من خلال تبني الجزائر لموقف طهران، من قضايا عربية وإسلامية عديدة. نذكر منها دعمها لنظام بشار الأسد خلال عشرية الحرب الأهلية السورية، وتزعمها حاليا للدعوة إلى إعادة سوريا الأسد إلى الجامعة العربية، من خلال القمة العربية التي من المقرر أن تحتضنها الجزائر في مارس القادم. وكذلك مواقف الجزائر من الحوثيين والحرب في اليمن، ومن حزب الله اللبناني، وغيرها.
وقد زاد التقارب الاستراتيجي المتسارع بين المغرب وإسرائيل منذ عام، من تقارب الجزائر وإيران. خصوصا في سياق حصول المغرب على سلاح إسرائيلي نوعي، واتجاهه نحو توطين صناعة عسكرية متطورة بمساعدة إسرائيلية. ولذلك فإنه بالنظر إلى سوابق طهران في هذا المجال، فإن مجمل هذه التطورات تحمل على الاعتقاد في أن الجزائر تسير في اتجاه التحول، إلى “وكيل” لطهران في المنطقة المغاربية. بما يمنحها “حدودا” غير مباشرة المغرب، الذي لم تغفر له طهران محطات تاريخية كثيرة، بينها استقباله لـ “الشاه” في 1979، وتسليم السلطات المغربية لواشنطن في مارس 2017، مُبَيِّض أموال حزب الله بإفريقيا قاسم تاج الدين بعد توقيفه بمطار محمد الخامس، بناء على مذكرة توقيف دولية بشأن تورطه في جرائم تبييض الأموال والانتماء لمنظمة إرهابية.
صواريخ وتَشَيُّع
بداية، وجبت إعادة التذكير بأن حزب الله اللبناني ليس فحسب تنظيما شيعيا مواليا مذهبيا وسياسيا لإيران، بل إنه “جزء لا يتجزأ من ولاية الفقيه” الحاكم في طهران، كما سبق أن قال زعيم الحزب حسن نصر الله. وهو بهذا المعنى يُعتبر امتدادا لإيران، بحيث إن مقاتليه يُعتبرون جزءا من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، ويحصلون على هذا الأساس على أجورهم من إيران.
في أكتوبر 2002، وقعت الجزائر وإيران أول اتفاق للتعاون العسكري المتبادل. وفي صيف 2017، أعلن أمير موسوي الديبلوماسي المثير للجدل بسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجزائر سابقا، إن بلاده “على استعداد لوضع كل إمكانياتها العسكرية في خدمة الجزائر، إذا ما تعرضت إلى أي خطر يهدد أمنها واستقرارها”. وأوضح هذا “الملحق الثقافي” فوق العادة لموقع جزائري، بأن “إيران لن تتخلى عن حلفائها مهما حصل”.
وما بين التاريخين كان المغرب ولا يزال، في مقدمة “القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين”، وفق العبارة الديبلوماسية الشهيرة. لعل أبرز محطاتها كانت في ربيع 2018، عندما أعلن المغرب قطع علاقاته الدبلوماسية مع إيران، بسبب تورط حزب الله اللبناني في إرسال أسلحة إلى جبهة البوليساريو، بحسب ما أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة. من الواضح أن المخابرات المغربية تتابع تفاصيل هذا التعاون المعادي بين الحزب الشيعي والجبهة الانفصالية عن قرب، حيث سبق أن
كشف بوريطة لأسبوعية “جون أفريك” الفرنسية، بأن بعض الاجتماعات بين البوليساريو و”حزب الله” تم عقدها في “مكان سري” بالجزائر العاصمة. معروف لدى الأجهزة الجزائرية، ومستأجر من طرف جزائرية متزوجة من أحد كوادر “حزب الله”، تم تجنيدها كعميلة اتصال تابعة للحزب مع البوليساريو. وأضاف رئيس الديبلوماسية المغربي، بأن “الملف المغربي قدتم إعداده بدقة بالغة على مدى عدة أسابيع، استنادا إلى المعلومات التي تم تجميعها والتحقق منها طيلة عدة أشهر. كما تضمن حقائق ثابتة ودقيقة، منها مواعد زيارات مسؤولين كبارا في حزب الله إلى الجزائر، وتواريخ وأمكنة الاجتماعات التي عقدوها مع مسؤولي البوليساريو. بالإضافة إلى قائمة بأسماء العملاء المشاركين في هذه الاتصالات”.
ورغم أن الحزب (ومعه راعيته إيران) سبق أن نفى ما أسماها “المزاعم المغربية”، إلا أن تقارير غربية أكدت مع ذلك وأكثر من مرة “تعاون” الحزب الشيعي مع الجبهة الانفصالية برعاية الجزائر وإيران. فقد كشفت ‒مثلا‒ صحيفة “دير تاجشبيغل” البرلينية المعروفة بالتقصي، في مقال نشرته مطلع الصيف الماضي (عدد7يوليو2021)، بأن إيران فوضت حزب الله اللبناني لتدريب مقاتلي جبهة البوليساريو في المعسكرات المقامة على الأراضي الجزائرية، مؤكدة تسليم طهران لصواريخ أرض-جو إلى البوليساريو.ولفتت اليومية الألمانية، الذي أكد مواصلة إيران التوسع وبسط نفوذها في إفريقيا، إلى توتر العلاقات بين الرباط وطهران منذ سنوات، مشيرا إلى اتهام السلطات المغربية الإيرانيين، ليس فقط بتقديم المساعدة اللوجستية لجبهة البوليساريو، ولكن أيضا بالرغبة في نشر التشيع في إفريقيا وبين الجاليات المغاربية المستقرة في أوروبا.
تعليقات ( 0 )