كلما صدر انتقاد لمخطط المغرب الأخضر إلا وانطلقت “طلقات المدفعية” لحماية مشروع أراده وزير الفلاحة السابق ورئيس الحكومة الحالي أن يبقى بعيدا عن دائرة الانتقاد، بالرغم من عيوبه الكثيرة التي تجعلنا اليوم نعاني قلة عرض بعض المنتجات، بينما ذهبنا بعيدا في تصدير منتجات فلاحية فاخرة إلى الخارج.
على مدار 12 سنة من المخطط الذي تم تنفيذه بين 2008 و2020، ارتكزت رؤية أخنوش الذي ارتبط المخطط باسمه على توجهين أساسيين يستهدفان عصرنة القطاع الفلاحي، مع تنزيل مبدا التضامن فيما يرتبط بمواجهة الفقر الذي تعرف المناطق القروية.
في الواقع، لقد نجح التوجه الأول في تقوية عدد من الفاعلين الكبار في القطاع الفلاحي، ما كان له أثر مباشر على ارتفاع صادرات المملكة من المنتجات الفلاحية، وعلى رأسها الخضر.. لكن الذي وقع هو أننا وجدنا أنفسنا، في فترات عديدة، غير قادرين على تلبية حاجيات السوق الوطنية من مواد أساسية بأسعار معقولة.
الأمن الغذائي
لن نكون سوداويين في تقييم وضعية القطاع الفلاحي، فهناك نتائج مهمة تحققت من حيث عصرنة الوسائل والرفع من مردودية الإنتاج، لكن الذي يقع اليوم يجعلنا أمام مفارقة صعبة. فالمخطط الذي أنفقت عليه ميزانيات ضخمة لم يستطع تحقيق الاكتفاء الذاتي للفلاحة المغربية في عدد من المنتجات، وعلى رأسها الحبوب، بعدما فشلنا في فك الارتباط العضوي للفلاحة المغربية بالسماء دون أن نبدع بدائل أخرى.
هذه الوضعية تجعل المغرب يتقهقر على مستوى بعض مؤشرات الأمن الغذائي، والتي تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المؤشرات منها وفرة المواد بأسعار معقولة، وأن تكون لدى الساكنة القدرة الشرائية على الولوج إليها.
خلال السنة الماضية، تراجع المغرب بثلاث درجات في مؤشر الأمن الغذائي، حيث حل في الرتبة 57 عالميا من بين 113 دولة شملها المؤشر، وحاز الرتبة 12 ضمن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويأخذ مؤشر مؤسسة “إيكونوميست أمباكت” يأخذ بعين الاعتبار نقاطا وجوانب مختلفة، من بينها القدرة على تحمل التكاليف التي حل فيها المغرب في الرتبة 52 عالميا، والتوافر الذي حل فيه في الرتبة 74، والجودة والأمن حيث حاز الرتبة 50، والموارد الطبيعية والقدرة على الصمود التي بوأته الرتبة 57.
هذه الأرقام تأتي في وقت يلعب المغرب دورا أساسيا في الأمن الغذائي الدولي، من خلال احتياطي الفوسفاط الذي يتوفر عليه، والذي بذل فيه المجمع الشريف مجهودا كبيرا ليصبح المغرب مرجعا أساسيا ولا غنى من أجل الحصول على المنتجات الفوسفاطية.
زراعات مستنزفة
يقتضي منطق التصدير أن تكون السوق الوطنية قد حققت الاكتفاء الذاتي، قبل أن تتوجه نحو تصدير الفائض إلى الخارج، وليس أن نصدر كل شيء ونلهب الأسعار التي أصبحت في نفس المستويات الأوروبية.
لكن حتى وإن لم نوجه أصبع الاتهام إلى التصدير، فهناك مشكل حقيقي تعاني منه الفلاحة المغربية ألا وهو مشكل المياه. فعلى مدار سنوات طويلة، لم يستطع مخطط المغرب الأخضر بلورة سياسة مائية ناجعة لهذا القطاع الذي يلتهم 92 في المائة من الموارد المائية للمملكة. لذلك، وبدل توجيه السدود نحو الشرب وخلق بدائل أخرى على رأسها التحلية، استمرت الفلاحة الوطنية في استنزاف الموارد المائية، مع بروز أشكال جديدة من الاستنزاف عبر اتساع المساحات المغطاة بالفواكه والخضراوات المستنزفة.
وبالفعل، فقد تحولت مناطق قاحلة كزاكورة إلى “جنة” لزراعة البطيخ الأحمر بالاعتماد على المياه الجوفية للمنطقة، ما تسبب في غضب اجتماعي واحتجاجات كبيرة عرفت إعلاميا ب”ثورة العطش”. وبينما يفترض أن تتم المسارعة إلى وقف النزيف، نتذكر كيف تعرضت الوزيرة الأسبق في قطاع الماء شرفات أفيلال لضغوطات كبيرة حتى لا تحرج أخنوش بهذا الملف.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحولت بعض المناطق لاسيما بسهل الغرب إلى ضيعات شاسعة لكبار الفلاحين وشركات متخصصة في إنتاج فواكه لا تناسب القطاع الفلاحي في البلاد. فخلال سنوات قليلة، ارتفع إنتاج الأفوكادو والكيوي والمانغو وغيرها من الفواكه بشكل لافت، مستفيدة من دعم الفلاحين الكبار بتسهيلات في الولوج إلى العقار الفلاحي، لاسيما عبر مساطر الكراء لمدد طويلة تصل إل 99 سنة.
المخطط في مرمى الانتقادات
مع بلوغ مخطط المغرب الأخضر مداه، اتسعت رقعة الانتقادات المزعجة. وهنا لابد أن نتذكر خرجة مولاي اسماعيل العلوي، الرجل الذي سبق له أن كان وزيرا للفلاحة، حين أكد أن ما ميز مخطط المغرب الأخضر هو تكريسه لازدواجية الفلاحة المغربية، بين فلاحة عصرية وأخرى تقليدية، مشيرا إلى أن أكبر خطأ ارتكبه مخطط المغرب الأخضر هو أنه تأسس على دعامتين؛ الأولى متمثلة في الحيازات الكبرى الرأسمالية المتصلة بالسوق العالمية، والتي تضم قلة من الفلاحين، فيما الدعامة الثانية التي تهم ما تبقى من المتواجدين بالأرياف من فلاحين وغيرهم.
وذهب العلوي إلى أن الدعامة الأولى تستفيد ماليا، عشر مرات أكثر من الدعامة الثانية التي تعهم الفئة العريضة من الفلاحين الصغار والمتوسطين. وتابع قائلا إن 13 مليون مغربي يعيشون في الأرياف في مساحة لا تزيد عن 9 ملايين هكتار، وأن نصيب الفرد من هذه المساحة هو 0.6 هكتار، وبالتالي فإن نصيب الأسرة المكونة من 10 أفرد هو 6 هكتارات دون الحديث عن تفاوت هذه الأرض من حيث جودة التربة وانتظام التساقطات.
هذه الانتقادات الموجهة للمخطط يمكن رصدها أيضا في تقرير للمجلس الأعلى للحسابات. وكنموذج على ذلك، نقف عند الانتقادات المتعلقة بإنتاج الزيتون، والذي بالمناسبة وصلت مستويات قياسية هذه السنة حيث بلغ سعر اللتر الواحد من زيت الزيتون 75 درهما في المتوسط.
التقرير أظهر تعثر برنامج إنشاء وحدات تثمين الزيتون، حيث يقول إنه ومن خلال الاطلاع على حصيلة العمل بتلك الوحدات بعد إنجازها، تبين أن معدل اشتغالها لا يعكس حجم الاستثمارات التي خصصت لهذا الغرض، مع الإشارة إلى أن مختلف الوحدات كانت قابلة للاستغلال ابتداء من سنة 2014، إلا أنه وخلال الموسم الفلاحي 2015 – 2016، لم يتجاوز مستوى الاشتغال ما مجموعه 35 يوم عمل بالنسبة للوحدات الأكثر إنتاجية، فيما سجلت الوحدات الأقل إنتاجية أقل من 10 أيام عمل، كما سجل الموسم الفلاحي 2016-2017 تراجعا في هذه المعدلات، حيث عرفت 5 وحدات معدل اشتغال تراوح بين 10 و15 يوم عمل، فيما سجلت 8 وحدات أقل من يومي عمل.
تعليقات ( 0 )