حزب وطبقة وإعلام ووطن

يجب أن نرفع صوتنا ونقوي حججنا ونبين معطياتنا ونجيب مواطنينا ونصرخ في وجوه ظلامنا بأن مصلحة الوطن أسمى من كل مصلحة تهم طبقة أو شخصا أو حزبا. نعم الوطن، هذا الحضن الدافئ الذي لا يمكن أن يمنعك من الاقتراب منه عكس ذلك المنحوس الذي ينهب خيراته ويرهن تقدمه ويهين ثقافته ويضع العراقيل أمام طموح أبناءه ويستصغر صحافته. من يحب الوطن لا يستعمل شعار الدفاع عنه بالمساومة والريع والاغتناء السريع. من يحبه يستثمر ويخلق الثروات ويطبق القانون ولا يقتل طموح أبناءه في غد مشرق. هذا الغد لن يكون جنة للراحة ولكن مجالا للعيش المشترك تسوده القيم الإنسانية المتمثلة في العدل والحرية وبذل الجهود للكسب الحلال معتركا للتدافع السلمي من أجل ضمان عيش عادل للجميع.

مقدمة هذا الكلام هي مجرد استئذان لفتح باب كان يجب أن يظل مشرعا منذ زمان. نسافر من شمال المغرب إلى شرقه ومن جنوبه إلى شماله في أمن وأمان. نسافر وننسى أن الأمن نتاج عشرات السنين من البناء والمهنية والصبر والاستبسال والتضحية. ولا أتكلم هنا عن الأمن في تعريفه المباشر ولكن في شموليته الإنسانية. كيف أفسر لمواطن أن حزبا وطنيا يدافع عن مشتبه فيه أو عن من صدر في حقه حكم استئنافي بسبب تهم تتعلق بالفساد المالي والتدبيري وأطلب منه أن يصوت عليه. الأحزاب في وطننا تصدر أحكام البراءة قبل المحاكم وتبرر احكامها وتنقض غيرها مما صدر عن قضاة لا عن قيادات وأشباه مناضلين.

نحن أبناء وطن تصنع فيه أجمل القوانين ويتم التصويت عليها بكثير من الإبداع لتظل جميلة وتسكن في رفوف أجمل خزانات الأرشيف. ولكننا أكثر الشعوب نسيانا وغفرانا لمن لا يتراجع عن ايذاءنا والمس بأمننا الاقتصادي.

تحاول مؤسسات الرقابة العمل للحد من عطش فئات لا يهمها سوى الاغتناء والبكاء إن لم تنتفخ ثرواتها بالسرعة المطلوبة. من الدواء إلى البنزين ومن الخضر إلى اللحوم ومن المستشفى إلى المدرسة والسكن تهيج الطبقات الغنية من أجل المزيد. كم أحب أن تتراكم ثروة المقاول المنتج للثروة وكم أكره تراكم الثروات من خلال اقتصاد الريع. ولنا في خداع بعض المنعشين العقاريين لكثير من المواطنين خير دليل عن غياب الحماية القانونية وتمتيع بعض أغنياء الريع بالصمت والرعاية والرفاه. تبكي الأسر التي دفعت أموالا من أجل سكن ولا من يسمع انينها والآلام التي تؤرقها ولكنها تحب وطنها وتكره من يحمي المجرمين.

و لكي يظل المجرمون الحقيقيون وراء حجاب يقوم أصحاب المصالح الانية ويقفون وقفة رجل واحد لاستئصال أصوات مطالبة بالعدالة. كثير هم من أصبحوا أصحاب الاختصاص والقصاص من حامل رسالة إلى زعماء أحزاب من أجل اعمال العقل ومصلحة الوطن لحماية من حملهم الدستور مسؤولية تمثيل المواطن. يجب أن نكون جميعا ضد التهكم والاستصغار للمجهود المطلوب من أجل تأطير المواطن سياسيا.

ولكن يجب على أحزابنا أن لا تقتل روح العمل السياسي وتبيع وهما زائلا للمواطن وأن لا تنافق في مجال الحرية للصحافي وإنصافه في مجال استولى عليه بعض سماسرة ألم المواطنين.

هل يدري الزعيم وأصحابه أن الكل يعلم قيمة البيع والشراء لبيع التزكيات.  فمن دفع رشوة تكلم عنها لا قرباءه وللآخرين ووصل الخبر اليقين إلى اعداءه. هل يعلم الزعيم أن الكل يعرف ثمن حماية الرفيق العضو الفاعل في الحزب من تنفيذ حكم قضائي صدر استئنافيا. هل يعلم الزعيم مدى السخط الجماهيري عن تجاهل العبث في التعامل مع قضايا تهم فساد قيادات تراكمت ثرواتها بدون سبب يتعلق باستثمار أو بإرث كان بفعل رحيل أب أو جد إلى دار البقاء.

المشكل في الموضوع يكمن في آثار تجاهل أوجه الفساد وتراكم الثروات وتأثيره على سير المؤسسات وخصوصا على ثقة المواطن.

لا أخفي أنني كمواطن أحاول، في بعض الأحيان، أن أسبح ضد التيار وأتوقع استيقاظ المسؤول السياسي من غفوته الايديولوجية وتلك التي رسختها عملية الاستفادة من المال السائب. وأجد نفسي واهمة واملى خيال في خيال.

عنوان هذا المقال يمثل إشكالية الولاء والوفاء لحزب أو لطبقة أو لوطن. الاختيار لدى البعض أو لنقل للكثيرين ممن يؤثثون المشهد الحزبي كان لمن يضمن الاستفادة السهلة من خيرات الوطن. ولكن الإيمان بالوطن يظل حملا يسعد بحمله الكثير من أبناءه البررة الذين لا يبيعون سلوكهم ومبادئهم. حزب يدافع عن محكوم بالسجن بسبب الفساد والاغتناء السريع والآخر يدافع عن متهم وينصبه في هرم السلطة التشريعية وحزب يضع في قمة المسؤولية من لا تهمه قيم صيانة المال العام وحزب يمنع المجتمع المدني من محاربة الفساد وأحزاب تريد أن تدخل حرية الإعلام إلى سجن دون سياج.

حاولت الصيام عن الكلام في شهر الصيام لكن الواجب الصحافي أجبرني على قول حق في يوم عيد. إسكات صوت الصحافة الحرة والنزيهة والمسؤولة جريمة في حق الوطن. الصحافة ليست موقعا ولا سلطة، بل هي قلاع للدفاع عن الوطن بالحق. الانتماء لهذه المعركة يقاس بالإنتاج والقدرة على العمل المهني. الصحافة ليست كرسيا واستغلالا لتموقع سياسي للاستمرار في الاستفادة من الريع. قيل الكثير عن زعماء في هيئات الصحافة لا أثر كميا ولا كيفيا لما تركوا ولم يتركوا في الحقيقة شيئا يذكر. المهم بالنسبة لهم البقاء في كرسي ذو مردود مالي يغني عن أجر عادل مقابل عمل حقيقي.

الوطن يحتاج إلى حزب قوي وإلى طبقة رجال أعمال منتجة للقيمة المضافة وإلى إعلام غير مسخر للأهواء ومطبل بفعل منافع وريع. الصحوة مطلوبة وهذا نداء لحزب وطبقة وصحافة حقيقية من أجل الوطن.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي