من حق رئيس الحكومة أن يرى العالم ورديا.
ومن حقه أن يتمتع برصيد هائل من التفاؤل و”تخراج العينين” بعد أن عوضه الزمن عن صفعة المقاطعة، ليجد نفسه بعدها بشهور قليلة، وقد أصبح رئيس حكومة “حتة وحدة”.
لكن ليس من حقه، ولا من حق مجاذيب الحكومة أن يصادروا حق الناس في انتقاد الاعطاب الفادحة التي يتعامى عنها، والتي أصبحت وللمفارقة وقود خلافات داخل أغلبيته المصابة بالفصام.
من حق رئيس الحكومة أيضا أن لا يشعر بالإحباط الذي يروج له البعض، في بلد يفر منه العاطلون والمهندسون والأطباء، وتغرق صحته وتعليمه في القاع.
هذا لأنه لبس الآن نظارات أخرى تحجب الواقع الذي يعيش تحت لظاه ملايين المغاربة.
نظارات تجعله مثل عراف يقرا الطالع بالمقلوب، ليقول لنا بأن المغرب “تحققت فيه إيجابيات كبيرة” لا ينكرها إلا جاحد، وأن هذا البلد شهد معجزات سيذكرها التاريخ كما قال واحد من طباليه الكثر.
الشعبوية خطر بالنسبة للبعض.
لكن الأخطر منها هو أن نروج للوهم، وأن نوظف مؤسسات الدولة ومواردها لتنزيف الحقائق.
الأخطر هو أن نفرط في وضع المساحيق لتجميل واقع قبيح يتقاسمه ملايين المغاربة الذين سبق وأن بعثوا برسالة جماعية قوية عبر حملة المقاطعة، وهي الرسالة التي وصلت، لكن البعض يصر إلى الآن على عدم فهمها، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة الذي يرى في كل من ينتقد، ويكشف عورات الأداء الحكومي، عنصرا ضمن طابور مهمته “التشويش” و”التبخيس”.
صحيح أن الاحتجاج انسحب للهواتف ولمواقع التواصل الاجتماعي..لكن صبر الناس نفذ…ووضع البلاد صار مثل طنجرة ضغط كبيرة.
المغاربة ملوا من حكايات الإرث القديم، ومن نظريات الاستهداف والتحكم، ومن البضاعة الفاسدة للسياسيين.
كما ملوا من الإفراط في “الشفوي”، بعد أن مرت سنوات وعقود، توالت فيها حكومات لم تنجح في إصلاح أعطابنا القديمة التي استفحلت.
لقد سمعنا حكاية الإرث القديم على عهد حكومة اليوسفي في سياق تبرير العجز عن فتح ملفات الفساد الكبيرة وتنزيل الإصلاحات التي كان ينتظرها الشارع.
نفس الأسطوانة عادت مع حكومة بنكيران ومن بعده العثماني قبل أن نفاجئ بأن المليادرير اخنوش، صاحب أكبر بومبة بالمغرب يشتكي بدوره من ذات الإرث القديم.
في الدول التي لديها حكومات تستشعر ثقل التصريحات الموجهة للرأي العام، سيما تلك المرتبطة بإصلاحات ومشاريع كبرى، يصبح الأمر تعاقدا سياسيا ملزما خوفا من تصويت عقابي.
لكن ما نعاينه في هذا البلد هو أن وزرائنا وسياسينا آخر ما يهمهم هو يوم الاقتراع.
هذا لأن الجميع يعلم كيف ترقع الحكومات، وكيف يمكن الوصول إلى مناصب المسؤولية التي لا مؤشرات إطلاقا على قرب ربطها بالمحاسبة.
لقد جرب المغاربة مع كل حكومة شعارات كبيرة سوقت للتغيير والإصلاح والإقلاع، لكن الواقع هو أن الحكومات توالت، فيما لا زلنا نجتر نفس المشاكل.
بل ونجرب نفس الحلول العقيمة، وبنفس الوجوه والأحزاب والعقليات، وهو ما اعترف به رئيس الحكومة بعد ان اشتكي كسابقيه من “الإرث الثقيل” الذي لم يمنعه من الخضوع الأعمى لإملاءات صندوق النقد الدولي.
الأوطان لا تحكم بالنوايا الحسنة، و المغاربة ينتظرون تدابير حكومية تنعكس على حياتهم اليومية وواقعهم،وليس كلام إنشاء، وبالتالي فحديث اخنوش عن “الإصلاحات الكبيرة” هو فقاعة جديدة، وترويج للوهم.
تعليقات ( 0 )