سراق الوطن

 

من المفارقات الصارخة في هذا البلد السعيد أن نجد سارقا بئيسا يدان بسنة حبسا نافذا، بعد استيلائه على “صندالة ميكا”، في الوقت الذي يواصل فيه المسؤولون الكبار ممن نهبوا الملايير، التعايش بسلام مع فضائح خطيرة.

 نفس هذا السيناريو يتكرر مع فضيحة تذاكر المونديال، التي تم فيها تبديد الملايير من أموال المغاربة لتتحول التذاكر لهدايا للخليلات، والمقربين، و”لحاسي الكابة” ومطبلي الحكومة والجامعة، كما جعلها آخرون سلعة تباع بالعلالي.

 اليوم هذه القضية التي تلاحق مسؤوليين في الجامعة، وأسماء بارزة في حزب رئيس الحكومة، يجب أن لا تبقى رهنية لمؤامرة الصمت التي انخرطت فيها أحزاب الأغلبية، وأيضا أحزاب من المعارضة، بعد أن استفاد قياديون بها من ريع سفريات وتذاكر المونديال.

 هده الفضيحة أكبر من تختزل في بلاغ إحالة برلماني على لجنة التأديب داخل حزب الأحرار.

 المطلوب من النيابة العامة أن تتجاوب مع الطلبات التي قدمت لها من أجل فتح تحقيق سريع، وتقديم جميع المتورطين للقضاء بعد الحديث عن استفادة شخص واحد من مئات التذاكر التي بيعت ب12 ألف درهم للتذكرة الواحدة.

 لقد عاينا كيف تحركت النيابة العامة من تلقاء نفسها في وقت سابق مع ملفات جانبية وأصدرت بلاغات في ذلك، في حين تم وضع عدد من الملفات الثقيلة في الثلاجة، أو غرقت في سلسلة تحقيقيات ماراطونية لم تلد لنا شيئا.

 حدث هذا بعد أن سبق لعدد من الحقوقيين أن انتقدوا طريقة تعاطي القضاء، والمصالح المكلفة بالبحث  مع ملفات الفساد، بعد أن استهلكت بعض القضايا سنوات دون أن  يتم الكشف عن المتورطين فيها، فيما تم تبرئة آخرين، أو تمتيعهم بعقوبات موقوفة التنفيذ رغم خطورة  الأفعال المرتكبة، والتهم الثقيلة الموجهة إليهم.

 اليوم هناك تسجيلات صوتية وأدلة مادية كثيرة تفضح ما وقع في تذاكر المونديال.

الصمت عن هذا الملف سيزكي قناعة واحدة لدى المغاربة، وهي أن “لي تكا على شي حاجة كيديها”، وأن لا محاسبة في هذه البلاد، كما قال البرلماني بوعيدة الذي جرب سوط الفساد الذي سلبه مقعده في وقت سابق.

 اليوم نحن لسنا أمام واقع يمنح لهؤلاء فرصة الإفلات من العقاب فقط، بل ويتيح لهم الاستمرار في مناصبهم وترقيتهم وتمكينهم من تدبير الشأن العام.

عبث يحلينا على ما سبق وأن نبهت إليه الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة من أننا في بلد تحرص شريحة واسعة من نخبه السياسية، على تعبيد طرق آمنة لنهب المال العام.

 هذا فيما تقف أخرى عاجزة أو مستسلمة أمام مد الفساد ورموزه الذين يستفيدون من عدم المحاسبة وتكريس الإفلات من العقاب.

وضع صار يتطلب شجاعة وجرأة سياسية ومجتمعية للتصدي له، لأن أي حديث عن مشروع تنموي دون اقتلاع جذور الفساد، أو على الأقل فتح مواجهة معه، هو مجرد مضيعة لوقت ثمين  سنندم عليه كثيرا….

 باختصار… “جبدو شكون هرف” على التذاكر دون لف أو دوران.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي