“سردين لبلاد”

لم يجد وزير الفلاحة والصيد البحري في جيبه تبريرا صالحا لتفسير استمرار غلاء الكثير من أنواع السمك سوى حكاية العرض والطلب وسوء الأحوال الجوية.
الوزير الحزين، ربما لا يعلم أن علاقة المغاربة بقبائل السمك جد محدودة.

أمر أكثر من طبيعي بسبب أسعار هذه الأسماك التي تفوق أحيانا الثمن الذي تباع به في دول مجاورة بعد صيدها من بحارنا، وهو أمر لايسري على الأسماك ذات الأسماء العائلية المعقدة، بل يمتد أيضا لعدد من الأصناف الشعبية التي تبقى الملاذ الأخير لشريحة واسعة من المغاربة.
يحدث هذا في بلد يملك واجهة بحرية تمتد على أزيد من3500 كليو متر، لكن مواطنيه محرمون من حقهم في الاستفادة من هذه الثروة.

ثروة صارت ومنذ عقود عبارة عن كعكة سنوية تسلم لأساطيل الصيد الأجنبية، مقابل مبلغ تافه يعادل” الباقي استخلاصه” بجماعة ترابية، وذلك نظير تمتع مواطني الاتحاد الأوروبي   وروسيا واليابان وغيرها بخيرات لم تجد يوما طريقها لموائد ملايين المغاربة.
48 مليون اورو هي قيمة ما نحصل عليه من الاتحاد الأوربي مقابل آلاف الأطنان التي تخلق له صناعة، ورواجا تجاريا وسياحيا بمئات الملايين من الأوروهات دون الحديث عن الاستنزاف الذي تقوم بها أساطيل من خارج القارة العجوز.
غلاء الأسماك لا يحدث طبعا بسبب الأحوال الجوية، ولا بسبب هذا النزيف المرتبط باعتبارات سياسية، بل بفعل عجز جميع الإجراءات التي اتخذت عن محاربة الاحتكار الداخلي الذي يجعل سمك السردين يباع في المركب ب3 دراهم ليصل إلى المواطن ب20 دراهم، والفرق يذهب لجيوب عدد من المتدخلين في عمليات مضاربة ندفع ثمنها في نهاية الأمر وسط صمت حكومي .
لقد كان مجلس المنافسة واضحا حين اقر بوجود اختلالات كبيرة تفتح المجال للتلاعب والاحتكار والمضاربات داخل أسواق السمك بالمغرب، وهو ما جعله يطالب، كما فعل المجلس الأعلى للحسابات بضرورة “هيكلة وتنظيم” أسواق الأسماك ضمانا لتوفرها على “الشروط الضرورية لفعلية المنافسة الحرة والنزيهة ،وتحسين وتطوير أنظمة المراقبة القانونية والصحية لمنتجات الصيد البحري بجميع مكوناتها ضمانا لحكامة شفافة ومنصفة داخل أسواق السمك”.
هذا الواقع ضل قائما رغم مخطط “اليوتس”، بل وزاد استفحالا بعد أن تبين أن الإجراءات الناعمة التي اتخذت لضبط مسارات التسويق، قد انتهت بتكريس الفساد، و احتكار القطط السمان لخيرات البلاد.

 

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي