تراجع ترتيب المغرب على مستوى مؤشر التنمية البشرية من المرتبة الـ122 سنة 2020 إلى المرتبة الـ123 خلال سنة 2021، بين 191 دولة عبر العالم، وفق أحدث تقرير للتنمية البشرية لعام 2021/ 2022 .
وجاء المغرب متأخرا، خلف دول كثيرة في المنطقة، مثل العراق ولبنان وليبيا، وهي دول تعاني من شبه انهيار بعد حروب مدمرة .
هو ترتيب مقلق، و يساءل ومن جديد السياسيات العامة، والخيارات التنموية التي أقر ملك البلاد بفشلها، قبل ان نحصل لاحقا على نموذج جديد بدون ملامح، ودون أفق زمني واضح، ودون جرأة وشجاعة للقطع مع ما يعرقل التنمية في هذا البلد السعيد كالفساد والريع وتسليع التعليم، وهيمنة اللوبيات، و تكريس السلطوية.
هذا الترتيب المخجل واخذا بعين الاعتبار التداعيات الكارثية لجائحة كورونا، يعيد ومن جديد طرح سؤال الجدوى من مئات الملايير التي صرفت في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي ولدت في سياقات محددة، وبأهداف تتجاوز تقليم أضافر الفقر إلى احتواء النسيج الجمعوي والمجتمع المدني المحلي، وإقحامهمها في دوامة الريع.
اللافت أن هذه المبادرة صارت تمول بقروض خارجية بعد أن وافق البنك الدولي في وقت سابق على قرض للمغرب بقيمة 450 مليون دولار.
هذا القرض الثقيل سيمول المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
قرض تزامن مع الكشف عن مضامين النموذج التنموي الجديد، دون أن يتم وضع المبادرة بعد 18 سنة على انطلاقها تحت المجهر، وإخضاعها لتقييم شامل، خاصة بعد أن كشفت أزمة كورونا أن الهشاشة لازالت حاضرة بقوة في المدن كما البوادي.
كما كشفت أن الفقر لازال يتحدى تعريفات الدولة، ويوسع نطاق زحفه على شرائح واسعة.
لقد سبق للبنك الدولي وأكد أن المغرب متأخر عن فرنسا وإسبانيا بحوالي نصف قرن فيما يخص مؤشر التنمية البشرية.
نفس التشخيص ذهب إليه المرصد الوطني للتنمية الذي زكى خلاصة صادمة مفادها أن عددا من الدول الفقيرة استثمرت أموالا اقل منا بكثير، وحققت نتائج مهمة في التنمية، في الوقت الذي نراوح فيه مكاننا إن لم نكن قد عدنا خطوات إلى الوراء.
اليوم وصلت المبادرة الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية لمرحلتها الثالثة.
مبادرة رسمت لها منذ انطلاقتها قبل 18سنة عدة أهداف من بينها محاربة الفقر والهشاشة و الإقصاء الاجتماعي من خلال مشاريع دعم البنيات التحتية الأساسية، والنهوض بالأنشطة المدرة للدخل.
المبادرة كلفت منذ انطلاقتها في سنة 2005، ولغاية سنة 2021ما يناهز 45مليار درهم، وهو رقم مالي صرف لإحداث بنيات بعضها كان بقيمة مضافة.
كما تم خلق مشاريع نجحت فعلا في إنقاذ عدد من المغاربة من الفقر المدقع بخلق أنشطة تضمن قوتهم اليومي.
لكن قراءة موضوعية في الحصيلة، و الاختلالات والملاحظات الكثيرة التي سجلت على طبيعة عدد من المشاريع، و أوجه صرف أموال المبادرة، وطبيعة بعض المستفيدين ممن يدورون في فلك الأحزاب، أو السلطة أو النقابات، تؤكد أن المبادرة صارت بحاجة لروح جديدة، تتجاوز مشاريع تربية الأرانب وعربات بيع الخبر والدراجات الثلاثية، والبنايات الفارغة.
هذا مع ضرورة الخوض في سؤال الحكامة الذي يجعل المشرفين على تدبير كل هذه الملايير من ولاة وعمال ورؤساء أقسام، محصنين من المحاسبة الفعلية رغم كل الفضائح التي تم رصدها.
اليوم صار مطلوبا تصحيح أعطاب، و اختلالات هذه المبادرة، وتجويدها من خلال خارطة طريق جديدة تضمن تحقيق الأهداف المتوخاة، مع تحصين المال العام من منطق الكعكة والريع والمحاباة التي حكمت على مئات المشاريع بالفشل.
تعليقات ( 0 )