لمكتب التسويق و التصدير الذي تم إعدامه حكاية طويلة مع الفساد و الاختلالات التي كانت تكبر في كل مرة يصدر فيها تقرير أو افتحاص أو مهمة استطلاعية قبل أن تقتنع الدولة في النهاية أن هذا المكتب أصبح غير قابل للعلاج، وأن حله صار هو الحل.
في سنة 2012 أعادت اللجنة لجنة برلمانية لتقصي الحقائق فتح السجل الأسود لمكتب التسويق والتصدير لتقف عند حقيقة أن الضجة التي أثيرت بشان تقرير المفتشية العامة الذي أنجز سنة 2010، والتي تلتها متابعة قضائية محتشمة، وجد محدودة لم تنجح في انتشال ورم الفساد من المكتب بل زاد الوضع تعقيدا مع إنتاج أشكال جديدة من الاختلالات التي وصفتها اللجنة بـ”الخطيرة” داعية لفتح تحقيق قضائي بشأنها.
اللجنة، أكدت في تقريرها وجود تلاعب واضح في بعض الممتلكات المسجلة باسم جمعية الأعمال الاجتماعية التي جمد نشاطها منذ 1987، بعد أن تم تجديد مكتب الجمعية خلال شهر يوليوز من سنة 2006 بهدف تـأشيره على عملية البيع والتصرف فيها، إلى جانب الغموض الذي طال تقرير الخبرة الذي حدد ثمن البيع لعدد من الفيلات ما بين 750 و800 درهم للمتر المربع في حين أن الثمن الحقيقي الذي بيعت به تجاوز 3200 درهم للمتر المربع ما يعني أن الفارق انتهى في جيوب البعض.
30 مليار عالقة بسبب التواطؤ
كما وقفت اللجنة عند استحالة تحصيل مستحقات المكتب التي تجاوزت قيمتها 300 مليون درهم نظرا لكون هاته الأخيرة منحت بدون ضمانات حقيقية أو تتعلق بمستحقات الفروع التي تعاني بدورها من مشاكل.
وعلى مستوى نظام المراقبة الداخلية، رصد التقرير “غياب الأجهزة المقررة للمكتب وعدم عقدها لأي اجتماع منذ يوليوز 2002 إلى غاية سنة 2008” و”عدم وجود آلية لتتبع الديون”، إضافة إلى “ضعف تدخل المجلس الإداري في تحديد التوجهات الاستراتيجية للمكتب”.
كما وقف التقرير عند “وجود عدد كبير من أعضاء المجلس في حالة التنافي، والذين عوض دفاعهم عن المصالح العامة للمؤسسة استفادوا بشكل كبير من التسبيقات دون إرجاعها”.
وكشف التقرير أن ما يفوق 50% من المستحقات غير المحصلة (التسبيقات) سببها تواطئات داخل المجلس الإداري باعتبار أن عددا كبيرا من أعضائه مستفيدين من التسبيقات، كما أنه لم يتم القيام بإجراء تبرئة الذمة للعديد من المستخدمين الذين كانوا مدينين للمكتب، والذين استفادوا من المغادرة الطوعية، حيث لم يتم اقتطاع الديون التي بذمتهم من المبلغ الإجمالي للمغادرة.
ووفقت اللجنة عند معطيات صادمة بخصوص عمليات البيع تمثلت في تفويت وبيع عقارات بأثمنة بخسة وأقل بكثير من ثمن السوق، مما كلف المكتب خسارة قدرت بأكثر من 54 مليون درهم، ومن بين هذه الاختلالات بيع فيلا بثمن 400 ألف درهم لصالح مدير مالي واداري للمكتب، والذي كان في نفس الوقت عضو اللجنة المكلفة بانتقاء خبراء تقييم الممتلكات موضوع البيع.
رائحة السياسة
اللافت ان اللجنة طالبت بتحريك المتابعات القضائية في حق كل الأشخاص الذين استفادوا من التسبيقات والتفضيلات والامتيازات خارج القانون، والمسؤولين وأعضاء المجلس الإداري الذين وجدوا في وضعية التنافي، والذين استغلوا صفاتهم من أجل الاستفادة من خدمات مكتب التسويق والتصدير دون وجه حق، وأيضا المسؤولين السياسيين والإداريين الذين تساهلوا في تقديم التسبيقات خارج القانون وتلكؤوا في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة من أجل استرداد هذه التسبيقات وهي المطالب التي بقيت بدون أي تفاعل علما أن عددا المسؤولين السياسيين والإداريين أبدوا رفضهم القاطع لحضور جلسات الاستماع، ورفضوا تزويد اللجنة بالوثائق والبيانات المطلوبة.
الصمت الذي أعقب تقرير اللجنة الاستطلاعية كان من الطبيعي ان يعجل بغرق سفينة المكتب الذي دخل في متاهة جديدة و معقدة من الاختلالات المركبة التي جعلت قضاة المجلس الاعلى للحسابات يقفون مصدومين إزاء ما يجري من فساد كانت رائحة السياسة تنبعث منه بقوة.
“المجلس الأعلى للحسابات” وبعد أن أنجز تقرير اسودا عن المكتب في سنة 2010 رصد فيه العديد من الثقوب التي كانت تنبىء بغرق وشيك لسفينة المكتب عاد في سنة 2016 ليؤكد في تقرير آخر أن “مكتب التسويق والتصدير”، أصبح عاجز “تماما” عن إنتاج أية قيمة مضافة في ضل عدم وجود إرادة حقيقية لمعالجة الاختلالات التي يعاني منها، والتي قال أنها تستلزم أجوبة فورية من قبل السلطات المختصة .
“المال السايب”
التقرير رصد أن التحملات الضريبية وتكاليف المستخدمين فاقمت من حدة العجز ما نتج عنه عجز خام للاستغلال تجاوز في بعض الأحيان 80 في المائة من مجموع الإيرادات،
كما كشف أن ما تم إنجازه من أهداف في إطار المخطط الاستراتيجي بخصوص البيع بالأسواق الخارجية، لم يتجاوز نسبة 1 في المائة من الأهداف المحددة برسم كل سنة فلاحية
ورصد التقرير أن نسبة العمولات الناجمة عن تدخلات المكتب في إطار مهامه الأساسية و سجلت بالنسبة للسنة الفلاحية 2012- 2013، معدلات شبه منعدمة لا تتعدى 0.08 في المائة.
ووقف التقرير عند أرقام جد صادمة بعد أن أكد أن رقم المعاملات المحقق من قبل المكتب عبر القنوات التسويقية يظل متواضعا حيث قدر بحوالي 0.32 مليون درهم برسم السنة 2013-2014 بالنسبة لكافة الأسواق، وان عمليات البيع التي يقوم بها المكتب عن طريق المحلات التجارية الكبرى والمتوسطة بواسطة الشركة التابعة له “سوكامار””، “تبقى قليلة ومحدودة وتشمل فقط المنتوجات الفلاحية غير المحولة” .
كما نبه التقرير إلى المكتب “يعاني من عدم اكتمال عملية إعادة الهيكلة وفشل عملية إعادة التموضع وغير قادر على القيام بالمهام الموكلة إليه وهي تصدير المنتجات الفلاحية والمنتجات الغذائية”، وأنه “لا وجود يذكر له بالسوقين المحلي والدولي للمنتجات الموجهة للصناعات الغذائية ومنتجات الصنف الرابع وبخصوص المنتجات الأخرى، مشيرا إلى أن المكتب ليس له حضور فعلي بالسوق الخارجي ولا يتوفر على سياسة للعلامة التجارية محددة المعالم وخاصة بكل صنف من المنتجات،وأن الاتفاقية التي وقعها المكتب في شثنبر 2011 من أجل دعم صغار ومتوسطي المنتجين الفلاحيين ظلت دون تنفيذ” وهي الخلاصات التي جعلت الحكومة تعتمد قرار الحل لطي صفحة مكتب تحول إلى احد ابرز عناوين الفساد.
تعليقات ( 0 )