وفجأة.. خرج طارق بن زياد من قمقم التاريخ لينفض الغبار عنه وعن حقبة عظيمة من تاريخ الفتح الإسلامي.. فتذكر المغاربة مجدهم القديم.. هذا ما حدث بمجرد عرض المسلسل التاريخي “فتح الأندلس” الذي تبنى صيغة القائد الإسلامي متجنبا الدخول في تفاصيل هويته، وكما في كل مرة، دخل إخوتنا الجزائريين لمعمعة النقاش فحدث كر وفر في معركة سلاحها التنابز بالتاريخ في أرض السوشل ميديا .
رمضان أوشك على توديعنا ولم يفتر الجدل حول هوية طارق بن زياد الذي عهدناه، منذ أول وعي بتاريخ المغرب، مغربيا أمازيغيا فتح شبه الجزيرة الإيبيرية من 711م إلى 718م بأمر من قائده موسى بن نصير والي إفريقية، في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك … فماذا تقول الروايات الأخرى حول أصل هذا البطل الذي أصبح فجأة مثار خلاف كبير ببن المغاربة وقناتهم الرسمية وصل إلى ردهات المحاكم؟
عموما، يمكننا أن نتبين ثلاث روايات حول هوية وأصل طارق بن زياد ..الرواية الأولى تقول أن أصله أمازيغي، وأول من قال بهذا هو الإدريسي في القرن الثاني عشر وسار على منواله بن خلكان وابن عذاري، واتفق معهما أيضا المؤرخان الإسبانيان رافاييل ديل مورينا وجوزيف دياباخو….يقول ابن عذاري صاحب كتاب “البيان المغرب في أخبار ملوك الأندلس والمغرب “: “وقد اختلف في نسبه، فالأكثرون على أنه بربري من نفزة وأنه مولى لموسى بن نصير من سبي البربر وقال آخرون أنه فارسي.هو طارق بن زياد بن عبد الله بن رفهو بن ورفجوم بن ينزغاسن بن ولهاص بن نفزاو”.
أما ابن خلدون، فقد تبنى الأصل العربي، ففي معرض كلامه عن فتح الأندلس نسب طارق بن زياد لقبيلة بني ليث، وهي إحدى القبائل العربية المعروفة من فروع قبيلة كنانة…وهناك من قال أنه مولى عربي معتق، ينتمي لقبائل الصدف في حضرموت، وهذا الرأي رجحه الزركلي والمقري التلمساني والمؤرخ الإيطالي باولو جيوفيو وأيضا موسوعة كامبريدج الإسلامية.
وهناك طرف ثالث تبنى الأصل الفارسي، كما جاء في كتاب “أخبار مجموعة في فتح الأندلس” وهو مخطوطة مجهولة المصدر كتبت في القرن 11 ومحفوظة في مكتبة باريس.
طارق بن زياد، رغم كل هذه الخلافات التي طفت على السطح فجأة، سيبقى في نظر المغاربة ذلك البطل الأمازيغي الشجاع الذي ولد سنة 670م والذي رفع راية الإسلام في شبه الجزيرة الإيبيرية وأنهى حكم القوطيين، ممهدا الطريق لحكم إسلامي للأندلس استمر قرابة 8 قرون زاهرة.. ولم يتوقف طارق في زحفه على شبه الجزيرة الإيبيرية إلا عندما دخل طليطلة بمساعدة الملك يوليان الحاقد على الملك لوذريق..فكان له من الحنكة السياسية والشجاعة والإقدام الشيء الكثير، وهو ما مكنه من بسط سيطرته على المنطقة.
من منا لا يتذكر خطبة طارق بن زياد الشهيرة التي لازمت وعينا التاريخي؛ “أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله الا الصدق والصبر…” هذه الكلمات لازمتنا طويلا أثناء فترة التعليم الإبتدائي، وكانت تغذي فينا الشجاعة والزهو بالتاريخ الكبير الذي صنعه بطل مغربي أمازيغي ..لم نكن ندرك حينها أنه سيأتي يوم وينازعنا البعض في هذا التاريخ أيضا، ولهذا كانت ردة فعل المغاربة بقوة انكسارهم وصدمتهم من هذا العبث .
إذن، بطل بكل هذا الزخم التاريخي والإشعاع الذي أثر في الحضارة العربية الإسلامية كان لزاما أن يحرك بعض السواكن، فرأينا إسم طارق بن زياد يغزو مواقع التواصل الاجتماعي واندفع المغردون والفيسبوكيون إلى إطلاق الهاشتاغات رافضين سرقة تاريخهم …وإذا كان صناع المسلسل لم يذكروا أصول طارق بن زياد فإن إخواننا الجزائريين، كالعادة، قادوا حملة موازية معتبرين أن طارق بن زياد بطل جزائري وهو ما سخر منه المغاربة معتبرين أن سرقة تراث المغرب عادة جزائرية أصيلة.
“طارق بن زياد مغربي” .. كان هذا عنوان هاشتاج اطلقه ناشطون على تويتر معلنين غضبهم على القناة الأولى والوزارة الوصية ومطالبين بإيقاف العبث بتاريخ المغرب ورموزه التاريخية ومستحضرين بعض الأدلة من كتابة المؤرخين الإسبان مع أوراق نقدية تظهر عليها صورة طارق بن زياد والنقش المعماري المغربي القديم، بل ووصل الأمر إلى الاستعانة بالمنمنمات التي صورت لنا طارق بن زياد والفتح الإسلامي للأندلس.
يحق لنا، إذن، أن نشكر صناع مسلسل “فتح الأندلس” الذين جعلونا نستفيق من سباتنا ونبحث في عمق التاريخ عن صكوك مغربية طارق بن زباد ونرميها في وجه من يحاول إثبات غير ذلك.
واختلف المؤرخون أيضا حول نهاية طارق بن زياد التي قيل إنها كانت سنة 720م، إذ ذكر أنه مات شحاذا في شوارع دمشق، بينما اتفقت الأغلبية على رواية أنه دخل قصر الطاغية الأموي سليمان بن عبد الملك بدمشق ولم يخرج أبدا، مرجحين قتله وتقديم جثته للضباع التي كان يحتفظ بها الطاغية في السراديب.. نهاية مأساوية فعلا لبطل شهم أجمع كل المؤرخين والباحثين على أنه كان شخصا قنوعا متواضعا راضيا، قبل على الدوام بأن يكون الرجل الثاني بعد موسى بن نصير رغم غيرة هذا الأخير ومحاولته الركوب على فتوحات طارق لبلاد الأندلس.
تعليقات ( 0 )