“الأحرار”.. ليس كل التأطير “عسل”!

لا ينكر أحد القوة التواصلية الكاسحة التي أصبحت تشكلها المواقع الاجتماعية في وقتنا الحاضر، وهي وإن كانت، كما ظل يجار بذلك الكثير من المتخصصين، سيفا ذو حدين، فإنها غدت ملجأ لكل الحساسيات المجتمعية بمختلف أهدافها ومراميها، بما في ذلك الطبقة السياسية التي وجدت في هذه المواقع قناة للتواصل مع كل فئات المجتمع.
وفي المغرب، فطنت الأحزاب السياسية متأخرة إلى أهمية هاته المواقع في التواصل ومحاولة استقطاب المتعاطفين، فاستغلتها في العديد من المحطات للتسويق لخطاباتها، والترويج لبرامجها.. وعرفت الانتخابات الأخيرة أوج استعمال هاته المواقع لاستمالة الناخبين، ولعل الحزب الذي تسيد المشهد على شبكات التواصل الاجتماعي في الانتخابات الأخيرة هو حزب التجمع الوطني للأحرار الذي ضخ بقيادة الملياردير السوسي عزيز أخنوش مبالغ ضخمة في “السوشيل ميديا” من أجل تحقيق الهدف المنشود وهو دحر الإسلاميين والفوز بالانتخابات وطبعا ترؤس الحكومة.
وكذلك كان، انهزم الإسلاميون شر هزيمة بـ”كثير من عندهم” وقليل مما قال زعيمهم بنكيران، أول أمس، إن “عندو خبارو” من تدخل الآخرين، وتصدر التجمع الانتخابات، وتشكلت الأغلبية من التركيبة الثلاثية المعروفة، وترأس أخنوش الحكومة، وانتظر الناس “الأحسن” الذي وعدهم به زعيم حزب الراحل عصمان.
لكن الرياح سارت بغير ما اشتهت سفينة الأغلبية الجديدة، فتقاذفتها أمواج زلات اللسان تارة، وتقلبات أحوال التصريحات أخرى، حتى صارت بعض مكونات الأغلبية مادة للتندر والفرجة.. ثم قيل إنها “دهشة البدايات”، فاصبروا وانتظروا، حتى يتحولو “مدعوقو” اليوم إلى “سبوعة” غدا.
وتجاوز الحكومة أيامها المائة ولم يُرَ من وعود أحزابها في الانتخابات شيء، بل تعقدت الأمور أكثر، فارتفعت الأسعار عما كانت عليه في أواخر حكومة العثماني، والتهبت أسعار المحروقات بشكل غريب، وتعالت الأسئلة والاحتجاجات لكن لا مجيب.. فارتكنت الحكومة إلى الصمت المخيب، وتوالى الغضب والاحتجاجات فاضطرت الحكومة إلى الاختباء وراء ذريعة “السياق الدولي” لإسكات المحتجين.. الذين زاد حنقهم يزداد كلما ازدادت الأسعار اشتعالا، حتى ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالانتقاد اللاذع للحكومة ورئيسها، والتي بلغت ذروتها مع وسم “أخنوش ارحل”، الذي كان تعبيرا عن خيبة أمل من وعود ذهبت مع الريح، وحكومة نفضت اليد من الالتزامات بعد اول تصريح.
ولأن حزب التجمع كان أكثر من اكتوى ورئيسه بنار الانتقادات، وهو الذي خبر “نجاعة” وسائل التواصيل في التأطير والتأثير في الانتخابات الخيرة، إذ كانت من عوامل كثيرة ساهمت في فوزه بالانتخابات، فقد سارع في البيان الختامي لأشغال مؤتمره الوطني السابع إلى “تجريد” هاته الوسائل من هذه المهمة، قائلا إن منصات التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تحل محل المؤسسات السياسية الموكول لها دستوريا مهام تأطير المواطنين..
وكأن لسان الحزب يقول ليس كل التأطير “عسل”.. فتأطير الانتخابات للوصول إلى الوزارات جميل، أما تأطير هذه الأوقات لفرض القيام بالواجبات فغير مقبول، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن احتاج إلى “الدوباج التواصلي” أيام الانتخابات لا يمكنه مصادرة حق الناس في الاحتجاج والتعبير، في كل الأحوال، فما بالك عند خلل أو سوء تسيير.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي