الجواهري.. “شيخ الاقتصاديين” ينصح السياسيين فلا ينتصحون!

في ظل الأزمة الخانقة التي نعيشها اليوم، والتي عجلت بفقدان الثقة في هذه الحكومة التي دغدغت أحلامنا طويلا فاستيقظنا على واقع مؤلم، يبدو لنا أن السيد والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري كان على حق حين وصف الأحزاب المغربية وبرامجها، ذات ندوة صحفية لا تنسى، بالباكور والزعتر.
ها نحن نرى الآن الباكور والزعتر السياسي لحكومتنا المجيدة! مع أن الباكور والزعتر قد تعرضا لحيف شديد، فكلاهما ينفعان للتداوي الشعبي من أمراض عدة، بينما حكومتنا لم تأت لنا بجديد، لحد الساعة، سوى هم الرأس مع “سيبة اقتصادية” تغول فيها الزيت الذي تصدر المشهد حتى صار البسطاء يفكرون في خصام شباكية رمضان هذا العام وتطليقها بالثلاث.
لقد كان السيد عبد اللطيف الجواهري محقا حين طلب من الأحزاب أن تتقي الله وتلتزم بوعودها الانتخابية ولا تلجأ كل مرة إلى الاختفاء وراء قائد البلاد محمد السادس من أجل إنقاذ ماء وجهها، فها هي اليوم حكومة رجل الأعمال عزيز أخنوش، الذي طالما بشرنا بمغرب جديد، هذه الحكومة انزوت اليوم في ركن قصي، تاركة الشعب المغربي يواجه ثالوث الجفاف والوباء والفقر. فهل هذا هو المغرب الذي انتظرناه!
لازلنا نتذكر، و الأحزاب في عز حملاتها الانتخابية المحمومة، كلام السيد عبد اللطيف الجواهري والي بنك المغرب الذي كان صادما للنخبة السياسية وقتها.. “الناس ما بقاتش كثيق فينا.. الناس ما بقاتش كثيق في هاذ الأحزاب والباكور والزعتر…يومها كان الأمر أشبه بزلزال سياسي ولم تستسغ النخبة الحزبية كلام السيد عبد اللطيف الجواهري واعتبر البعض أن التكنوقراط تغولوا وهاجم البعض الرجل مهددين بمناقشة جدية لا باكور فيها ولا زعتر للسياسة النقدية إن هو لم يعتذر ..هل كان يجب عليه الصمت إذن ؟ تلكم هي الديمقراطية المجنى عليها.
رغم اعتذار عبد اللطيف الجواهري يومها عن استعماله لكلمتي الزعتر والباكور الا ان السيف كان قد خرج من غمده واصاب النخبة في مقتل. لكنها لم تكن المرة الأولى التي يثير فيها هذا الرجل ذي 83 عاما الجدل، فقد سبق أن دعا إلى محاربة الرشوة وربط المسؤولية بالمحاسبة ومحاربة الفساد على أعلى مستوى بالمغرب من وزراء ومدراء مؤسسات عمومية ومقاولات …
عبد اللطيف الجواهري أثبت اليوم أن كلامه لم يكن جزافا، فهذا الرجل بهيئته الجادة التي يزيدها الشيب وقارا اثبت انه اهل للمسؤولية التي كلفه بها الملك محمد السادس منذ 2003 كوالي لبنك المغرب فالرجل بذهن اقتصادي صارم لا يجامل أحدا، ويشرح الأوضاع كما هي ليضعها على طاولة ملك البلاد، كما انه تدرج في أكثر المناصب حساسية بدءا من توليه مسؤولية بنك المغرب سنوات 62/78 ثم وزير منتدب لدى الوزير الاول مكلف بإصلاح المؤسسات العمومية سنة 1978 ليعين بعدها وزيرا للمالية 1981/1986 ثم رئيس مدير عام للبنك المغربي للتجارة الخارجية ورئيس المجموعة المهنية لبنوك المغرب 1986/1995 وأخيرا رئيس مدير عام للصندوق المهني المغربي للتقاعد 2002/2003.
وليس غريبا على السيد عبد اللطيف الجواهري هذه الغيرة الوطنية والنقد الأخلاقي للأحزاب وبرامجها، فالرجل كان من خيرة أطر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب في سنوات الستينات إلى جانب الاشتراكي بوزوبع و فتح الله ولعلو وآخرين، لقد عايش الرجل فترة مهمة من تاريخ المغرب وعاصر شخصيات سياسية ذات كاريزما عالية، لذا فلا عجب أن يكون الرجل قد لمس ذلك الخواء في الوعود الانتخابية يومها وهو ما نراه الآن بالملموس، فلا شيء تحقق لا في التعليم ولا الصحة ولا الاقتصاد.
لقد عاب البعض على الجواهري استعمال الرموز العامية البسيطة بينما اعتبر آخرون أن الزعتريات والباكوريات قد نقرأها من باب المستملحات السياسية، وبين هذا وذاك ذهب آخرون إلى انه لا يمكن تحليل خطاب الجواهري إلا بمقتضى السياق المرتبط بالوعود التي أطلقها حزب الأحرار في حملته الانتخابية، ذلك أن الوعود كانت أكبر من الواقع حتى، لكن خيبة الشعب في حكومة العدالة والتنمية جعلت تصديق ذلك ممكنا.
اليوم، ونحن نعيش حمى الأسعار التي جعلت المجتمع المغربي على صفيح ساخن، قابل للانفجار في أية لحظة ندرك أكثر أن الحملة الانتخابية “باعتنا العجل ” ولا نملك الا ان نقول للسيد الوالي عبد اللطيف الجواهري “لا فض فوك”، كم كنت محقا ودقيقا في كلامك الذي اعتبره البعض لا يليق بك وهو في حقيقة الأمر كلام رجل خبر الناس والميدان. “فهل يعقل انه في ظرف 5 سنوات سنعمل على جميع القطاعات… قل عندي 4 أو 5 أولويات سأشتغل عليها..”، كلام نتذكره الآن بكل تأكيد لأن الذي حدث الآن أن لا الوعود تحققت ولا الأسعار استقرت.. فقط الفوضى وزيادات متتالية واحتقان اجتماعي يجعلنا نقرأ اللطيف.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي