الصحراوي.. “اللّي عْلينا احْنَا دْرْنـَـاهْ اللّــي عَلى الله هو بـِــــــهْ أدْرَى”

تحول ’’عمي‘‘ علي الجاجاوي، الملقب بـ’’الصحراوي‘‘ إلى بطل الأمتار الأخيرة من سباق محاولة انتشال الطفل ريان بقرية إغران بجماعة تامروت إقليم شفشاون، ففي لحظة من لحظات العملية خطف الأول ’’النجومية‘‘ من ريان رحمه الله، الذي ظل يصارع في قعر جب مائي على عمق 32 مترا لأكثر من 100 ساعة، وعجز جسمه الضعيف عن الصمود فترة أطول إلى حين وصول المساعدة، حيث شاءت الأقدار أن يلبي داعي ربه راضيا مرضيا.
الصحراوي، الذي تردد اسمه في أكثر من مناسبة، منذ دلفت قدماه عمق الخندق المحفور بشكل موازٍ للحفرة المائية التي علق بها الطفل الصغير، بدا واثق الخطو، وكيف لا يكون وهو من عرض مساعدته لسلطات الإنقاذ من أجل ’’نبش‘‘ الأمتار الأخيرة من التربة التي تفصل جهود الإنقاذ عن الطفل، متسلحا بخبرة عقدين وأربع سنين من حفر الآبار والجباب بطرق تقليدية بواسطة اليد، وتمرس بأعمال البناء في أكثر من منطقة بالمغرب.
الصحراوي، وهو ابن الجنوب الشرقي من المغرب المنسي، وبالضبط من مدينة أرفود والبالغ من العمر 50 سنة، قاد أعقد مراحل عملية محاولة انتشال الطفل ريان حيا، وهي العملية التي كان فيها الخطأ ممنوعا، وظل لساعات داخل النفق يحفر رافضا الخلود إلى الراحة، يقينا منه أن كل دقيقة وكل ثانية قد تكون على حساب حياة ريان، وإيمانا منه بأن ثاني معركة لفريق العمل بعد تفادي انهيار أكوام الأتربة الهشة هي لعبة السباق ضد الوقت.
اِحتفاء المغاربة بـ’’الحفار‘‘ مباشرة بعد خروجه من الخندق، وهو يرفع شارة النصر أمام من ظلوا يترقبون تأشيره على نجاح العملية، أكدت أن اختياره لم يكن عبثيا، فالرجل يخبِرُ تضاريس وجغرافيا المنطقة، بشكل ساعد في نجاح أدق مراحل عملية الإنقاذ، ولذلك لا غرابة في أن ’’عمي علي‘‘ صار في لحظة من لحظات فاجعة ريان بطلا في غمرة فرحة لم تكتمل للأسف، تتعقبه التليفزيونات وميكروفونات الزملاء الصحافيين وتترصده الكاميرات، وهو يرتشف من قنينة ماء يروي عطشه، بعد مجهودات كبيرة في الحفر لم تتوقف إلا لماما.
اليوم من حق المغاربة أن يحتفوا بـ’’عمي علي‘‘ وغيره من أبطال هذا التدخل الملحمي ممن تطوعوا بشكل إنساني وقدموا يد العون لإنقاذ ريان، وبعضهم وصل الليل بالنهار من أجل الوصول إلى الطفل حيا، لكن مشيئة الله غلَبت المشيئات كلها، فلذلك آن لكل هؤلاء الرجال أن يرتاحوا قليلا، وليكن ’’الصحراوي‘‘ موقنا أنه كما لم يقوَ على مغالبة دموعه بعد انتشال الطفل جثة هامدة، كذلك كان لسان حال المغاربة يردد ’’اللّي عْلينا احْنَا دْرْنـَـاهْ اللّــي عَلى الله هو بـِــــــهْ أدْرَى‘‘.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي