في زمن التواصل الفوري والانفعالات السريعة، لم يعد تقييم مدرب المنتخب الوطني مسألة فنية محضة، بل صار مرآة تعكس صراعات خفية بين الانتماءات، والولاءات، والذاكرة العاطفية للجمهور.
ولعل حالة وليد الركراكي، منذ توليه تدريب المنتخب الوطني، تقدم مثالاً صارخا على كيف يمكن للحب المطلق أو الرفض التلقائي أن يحجب التحليل العاقل ويشوّه النقاش العمومي.
من الظواهر اللافتة أن جمهورا واسعا من أنصار الوداد يدعم الركراكي بلا قيد ولا شرط، لا لشيء إلا لأنه فرد من “العائلة” و”بطل العصبة”، بينما في الجهة الأخرى، كان جزء من جمهور الرجاء ينتقده بقوة، عطفا على الفترة التي قضاها في الوداد، وأيضا بسبب استبعاده لسفيان رحيمي من لائحة مونديال 2022.
لذلك، فمن الظواهر التي لا يمكن تجاهلها في الحالة النفسية التي تحيط بوليد الركراكي، مدرب المنتخب الوطني، هي تلك التي تتجلى في نوع من التحيّز الجماهيري الأعمى، والذي يُعبّر عنه عنه في اتجاهين متناقضين “ولو طارت معزة” فإما التأييد المطلق من فئات واسعة من جمهور الوداد، أو الرفض المبدئي من فئات من جمهور الرجاء.
صحيح أن الركراكي دخل التاريخ من بوابة الوداد حين قاد الفريق إلى التتويج بعصبة الأبطال، وهي لحظة ستظل محفورة في الذاكرة الجماعية لأنصار الفريق الأحمر، لكن الغريب، أن هذا التتويج أصبح في لاوعي هذه الفئة بمثابة “صك غفران دائم”، يُعفي المدرب من كل نقد، ويمنحه حصانة نفسية حتى وهو على رأس المنتخب الوطني.
في المقابل، عاشت جماهير الرجاء، أو جزء كبير منها علاقة متوترة مع الركراكي، وهو مدرب للوداد، حيث قاد الفريق للفوز بدوري أبطال إفريقيا، ثم في اللحظة التي لم يستدع فيها سفيان رحيمي إلى مونديال قطر، وهي لحظة قرأها الكثيرون ليس فقط من زاوية فنية، بل كامتداد لصراع غير مباشر بين مكونات الكرة الوطنية..
ما يحدث هنا ليس خلافا فنيا عاديا، بل حالة وجدانية معقّدة، يتحوّل فيها الانتماء الكروي المحلي إلى مرآة تُشوه الرؤية، فنحن لا نقيّم أداء المدرب من منطلق مهني، بل نراه من خلال نظارات ملونة سلفا، فمن كان معك في فريقك، فأنت معه دون قيد، ومن لم يكن في صفك، فأنت ضده حتى وإن حقق ما لم يحققه أحد.
وهنا بيت القصيد، هذا التفاعل العاطفي لا يعكس وعيا نقديا بقدر ما يعكس فشلا في “التحرر من الهوية الصغرى”، وهي الانتماء للنادي..
الركراكي لم يعد مجرد مدرب للمنتخب، بل صار مشحونا بما سبق..
والمقلق أن هذا الانقسام العاطفي بات يحجب التحليل العقلاني. فأداء المنتخب يُقرأ بمنطق “التحفظ أو الانبهار” ، لا بمنطق الملاحظة الموضوعية، وحتى عندما يخطئ الركراكي، هناك من يبرر له الخطأ لأنه “واحد منّا”، وهناك من يهوّل العثرة لأنها فرصة لتصفية حسابات رمزية سابقة.
الركراكي ليس مسؤولا عن هذه الانفعالات الجماهيرية، لكنه متأثر بها.
وحين قال مؤخراً إن “المغاربة كبروا وما بقاوش باغين غير أتاي”، لم يكن يُدرك أن جزءا كبيرا من المشهد لم يكبر بعد، بل لا يزال أسير مشاعر لا تفرق بين المنتخب والنادي، بين الانتماء والتعصب والمحلي والوطني، بين الرؤية والعاطفة..
تعليقات ( 0 )