وهبي والمادة 3..الإبلاغ عن الفساد حق أم تهمة!؟

في أي دولة تؤمن بسيادة القانون، يفترض أن يكون التبليغ عن الفساد حقا مكفولا لكل مواطن، وليس جريمة يُحاصر صاحبها كما لو كان هو الجاني.
لكن حين يتحول هذا الحق إلى نقطة تجاذب، فالأمر يتجاوز مجرد تعديل قانوني، ليصبح قضية ترتبط بعمق بآليات المحاسبة والشفافية في البلاد.
عيد اللطيف وهبي وزير العدل لم يكتف في لجنة العدل بالبرلمان بالدفاع عن موقفه، بل أقسم بالله ألا يقبل أي تعديل على المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية، مهاجما جمعيات محاربة الفساد، واصفا بعضها بأنها أكثر فسادا من الذين تحاول فضحهم..

لنتفق أن بعض الجمعيات قد يكون لديها أجندات، ولكن أليس من مسؤولية الدولة أن تفرض آليات واضحة للمحاسبة والمراقبة بدلا من خنق دورها؟ وهل يعقل أن يتم حماية المنتخبين والمسؤولين ومنحهم “الامتياز القضائي” بدلا من مساءلتهم على طريقة تدبيرهم للشأن العام..

قسم الوزير، لم يكن مجرد انفعال عابر، بل رسالة مشفرة تفهم منها أمور كثيرة..

المادة 3 من مشروع قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث أو إقامة الدعوى العمومية في الجرائم المتعلقة بالمال العام إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بناء على إحالة من جهات رسمية مثل المجلس الأعلى للحسابات، أو المفتشيات العامة، أو الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة.

هذا التعديل يثير إشكالية جوهرية: هل هو مجرد محاولة لضبط وتنظيم التبليغ عن الفساد، أم أنه في جوهره يهدف إلى تقييد دور المجتمع المدني ومنع الجمعيات والأفراد من لعب دور الرقابة؟

لنكن واقعيين، فإشكالية الشكايات الكيدية ليست مجرد فزاعة تُرفع لتبرير التضييق على التبليغ عن الفساد، بل هي أمر واقع.

في السنوات الأخيرة، شاهدنا العديد من القضايا التي تحولت فيها الشكايات إلى سلاح سياسي أو وسيلة لتصفية الحسابات، وأحيانا إلى أداة للابتزاز.

هناك حالات يتم فيها تقديم شكايات ضد منتخبين ومسؤولين ليس بدافع محاربة الفساد، بل لممارسة الضغط عليهم لتحقيق مكاسب سياسية أو مادية.

وفي المقابل، هناك ملفات فساد حقيقية يتم التستر عليها..

هذا التوازن الصعب بين حماية المسؤولين من التشهير وتصفية الحساب، وبين ضمان عدم إفلات الفاسدين من العقاب، هو جوهر النقاش الحقيقي الذي لم يجب عنه وهبي.

وهبي صرح بأن “الفساد لا يحارب بالاعتقال والمتابعات، بل يحارب بالمساطر والإجراءات”، وهي جملة تبدو في ظاهرها منطقية، لكنها تحمل إشكالا عميقا.

كيف يمكن الحديث عن محاربة الفساد في غياب متابعة صارمة للمسؤولين المتورطين؟ هل يمكن تحقيق الردع دون أن يرى المواطنون مسؤولا فاسدا يحاسب بجدية؟ وإذا كانت المساطر هي الحل، فمن يضمن أنها ستُطبق بعدالة وشفافية، وليس وفق اعتبارات سياسية أو مصالح خاصة؟

في الدول الديمقراطية، التبليغ عن الفساد يعتبر حقا محميا، بل وأحد أهم وسائل تعزيز الشفافية والمساءلة.

أما في المغرب، فالنقاش الحالي يجعل الأمر يبدو وكأنه جريمة أو مؤامرة يجب التصدي لها.

إذا تم اعتماد المادة 3 بصيغتها الحالية، فإن أي شخص أو جمعية تريد الإبلاغ عن اختلاسات أو تلاعب في المال العام ستجد نفسها مضطرة للمرور عبر قنوات بيروقراطية قد تُعرقل الشكاية أو تؤخرها لسنوات.

وهنا يبرز السؤال:

ماذا لو كان هناك تواطؤ أو تضارب مصالح داخل الإدارات المسؤولة عن الإحالة؟

أليس من حق الصحافة والمجتمع المدني كشف الفساد حتى قبل أن تتحرك المؤسسات الرسمية؟

وبالتالي هل نحن أمام إصلاح حقيقي أم حماية غير معلنة للفاسدين؟
في النهاية، إذا كنا نريد حقا محاربة الفساد، فلن يكون الحل في تكميم الأفواه أو عرقلة التبليغ، بل في خلق منظومة عادلة توازن بين حماية الأبرياء ومحاسبة المتورطين دون انتقائية أو تصفية حسابات..

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي