اليوم، ومع كل هذا العبث الكبير الذي تغرق في الحكومة الحالية، تأكد فعلا أن هناك أطرافا في الدولة ساهمت في إقناع وزير المالية محمد بنشعبون بالاستسلام طوعا أمام جيوب المقاومة التي اشتكى منها علنا أمام البرلمانيين..؟
اليوم مرت أكثر من ثلاث سنوات على إشهار الرجل للائحة أولية للمؤسسات التي قال أنها ستخضع لعملية دمج أو حذف.
القائمة تضمنت كلا من شركة الطرق السيارة بالمغرب والمكتب الوطني للسكك الحديدية والشركة الوطنية للنقل والوسائل اللوجيستيكية وصندوق تمويل الطرق والوكالة الوطنية لتنمية الأنشطة اللوجيستيكية، مع حل عدد من وكالات التنمية.
بعيدا عن النوايا، يبدو أن الحكومة السابقة تلقت رسالة ب”حبس المرقة” وفرملة خطط إصلاح أو دمج أو حل بعض الهيئات الحكومية للحد من اعتمادها على ميزانية الدولة، فيما تكلفت الحكومة الحالية برمي هذه المقترحات في مكب النفايات.
أكيد أن بنشعبون وزير المالية السابق حين تحدث عن “جيوب المقاومة” كان يدرك أن خطة الإصلاح التي جاء بها تنطوي على محاولة هدم “عش دبابير عملاق” يتحكم في آلاف المليارات من أموال الدولة والمغاربة.
عش يضم أسماء خالدة، بعلاقات ومصالح متشعبة، وبرواتب وتعويضات تتجاوز بكثير أجور رؤساء دول، في وقت تتجه في البلاد لتسجيل أسوأ ركود وتضخم مند عقدين وفق توقعات البنك الدولي.
بنشعبون تحدث حينها و بشكل صريح عن وجود عرقلة لعملية إصلاح القطاع العام ضمن الخطة التي أعلنت بعد خطاب العرش قبل أن يصبح بنشعبون سفيرا باهتا بباريس.
ولأنه سقط بمظلة تقنوقراطية تناسى بنشعبون أنه أطلق تحذيره في الوقت الميت، ووسط تسخينات الاستحقاق التشريعي ومعركة كسر العظام التي كانت تدور داخل حكومة العثماني لذا بدا الرجل بدا متحررا من الضغط الانتخابي وهو يقول “يجب أن تكون لدينا قناعة بان هذا الإجراء لصالح البلاد ولابد من تفعليه… و إذا كانت هناك مؤسسات يتعين حذفها فلا بد من فعل ذلك، لأنها إما لم تعد صالحة، او أن مهمتها انقضت ولازالت قائمة وتتلقى الأموال من الدولة”.
وزير المال السابق ختم شكواه بالقول “الإصلاح يجب أن يتم.. وإذا لم ينجز في هذه المناسبة أي ما بعد كورونا فلن يتم لأننا أمام مناسبة تاريخية، ولدينا توجه واضح للملك وحاجة ماسة لكي يوجه كل درهم نحتاجه للغاية المحددة”…. لكن كلام الرجل ذهب في واد، واليوم نعاين كيف نتجه يوما بعد يوم نحو الحيط و بسرعة كبيرة.
واضح إذن أن الحكومات توظف الفرامل في الإصلاحات التي تمس مصالح الكبار، لكنها تفرط في السرعة كلما تعلق الأمر بقرارات لا شعبية، تجعل البسطاء وعموم المغاربة يدفعون ثمن فشل السياسات العمومية، و استمرار الفساد وانعدام الحكامة والمحاسبة.
الافت أن بنشعبون الذي كان يستعد لفرض ريجيم قاس على الدولة وتخليص ميزانيتها من ريع مؤسسات زائدة، هو من يسعى اليوم لضح أموال ضخمة من صندوق محمد السادس للاستثمار في فنادق متعثرة… ؟
تعليقات ( 0 )