في كولومبيا، لم يتردد الرئيس غوستافو بيترو في رفع صوته ضد المضاربات التي أغرقت سوق الغاز.
خرج الرجل ليقولها بصراحة: الغاز المستورد يباع بأكثر من سعره العالمي، إنهم يسرقوننا! وبطبيعة الحال، لم يكن بيانه مجرد زوبعة في فنجان، بل كان خطوة أولى نحو وضع الأصبع على جرح اقتصادي غائر، حيث تتحكم شركات الاستيراد في الأسعار، فتُلهب جيوب المواطنين بينما تتضخم حساباتها البنكية.
لكن، أليس هذا السيناريو مألوفا؟ أليس ما يحدث في كولومبيا مجرد نسخة كربونية لما يجري في المغرب، حيث يشتكي المواطنون من ارتفاع أسعار المازوط، بينما يواصل الفاعلون في القطاع الترويج لمبررات مكررة، أبرزها تقلبات السوق الدولية؟
المغاربة باتوا أكثر وعيا بهذا الملف، حيث يكفي تصفح بسيط لمواقع تتبع أسعار النفط لمعرفة أن سعر المازوط في المغرب يفوق ما يفترض أن يكون عليه، حتى مع احتساب التكاليف والضرائب وهوامش الربح.
هنا، تتجلى الصورة بوضوح. في كولومبيا، خرجت أصوات تطالب بإجراء تحقيق في المضاربات، وتم اللجوء إلى خيارات جديدة للاستيراد مثل قطر. أما في المغرب، فالمعادلة تبدو مختلفة، إذ لا صوت يعلو فوق تبريرات اللوبيات المسيطرة على سوق المحروقات.
هل نحن أمام سوق حرة أم أمام سوق مفتوحة على كل أشكال المضاربات؟
قبل تحرير الأسعار في 2015، كان المغاربة على الأقل يعرفون أن هناك دعما يخفف عنهم تقلبات الأسعار. لكن بعد التحرير، وجد المواطن نفسه وحيدا في مواجهة سوق غير خاضعة لأي ضوابط حقيقية، حيث تتحكم شركات كبرى في التسعير، دون اكتراث لمبدأ المنافسة أو للقوة الشرائية التي تآكلت مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
كولومبيا، تبحث عن حلول لتجاوز المضاربات عبر إجراءات فعلية في السوق، وتستعد للتوجه نحو موردين جدد بدل البقاء تحت رحمة نفس الشركات المسيطرة.
أما في المغرب، فلا يزال التساؤل مطروحا: هل هناك إرادة حقيقية لإعادة تنظيم هذا القطاع، أم أن “التشناقت” أصبحت سياسة مقبولة تمتص جيوب المواطنين لصالح فئة محدودة، بلا قلب ولا رحمة، ودون أدنى التزام بأخلاق السوق..
الواقع أن الاقتصاد لا يمكن أن يُدار بمنطق الجشع، ولا يمكن أن تبقى الدولة تتفرج، بينما يواصل كبار الفاعلين في السوق استغلال الوضع..
التجربة الكولومبية تقول اليوم إنه لا يمكن القبول بأن يباع الغاز المستورد بسعر أعلى من سعره العالمي، وهو نفس المنطق الذي ينطبق على المازوط في المغرب، حيث لا أحد يفهم كيف يرتفع السعر بسرعة عندما تزيد الأسعار الدولية، لكنه لا ينخفض بالسرعة ذاتها عند التراجع!
في النهاية، ما يحدث في كولومبيا والمغرب ليس مجرد قضية أسعار، بل هو سؤال شائك حول دور الدولة في حماية مواطنيها من جشع المضاربين. هناك، اختاروا المواجهة، وهنا لا تزال الأصوات تتساءل: متى تنتهي هذه “التشناقت”؟
تعليقات ( 0 )