في مبادرة تواصلية وثقافية وإنسانية بالغة الأهمية ، حظي وفد شبابي طلابي من أبناء الأقليَّات المسلمة في الجامعات الأوروبية باستقبال في مقر رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة . وفي هذا اللقاء تحدث الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى،الأمين العام للرابطة، رئيس هيئة علماء المسلمين، عن قيم الإسلام وما يجب أن يقوم به المسلمون في المجتمعات غير المسلمة ، خاصة ما يتعلق باحترام القوانين المحلية ، والدفاع عن الهوية الثقافية الإسلامية بطرق سلمية وحضارية، والانخراط في البناء الاقتصادي والتنموي للبلدان التي يوجدون فيها انطلاقا من قيم المواطنة والاندماج الفاعل . كما أوضح للوفد الطلابي مبادئ وتوجهات وثيقة مكة المكرمة ، مبرزا أنها خصصت حيزا مهما لموضوع الشباب حيث دعت إلى حماية الشباب من أفكار الصدام الحضاري والتعبئة السلبية ضد المخالف ، والتطرف الفكري بتشدده أو عنفه أو إرهابه، مع تقوية مهارات تواصل الشباب مع الآخرين بوعي يعتمد أفق الإسلام الواسع وأدبه المؤلف للقلوب ، ولاسيما قيم التسامح والتعايش بسلام ووئام يتفهم وجود الآخر ويحفظ كرامته وحقوقه .
ينتمي هؤلاء الطلاب إلى شريحة الأجيال الجديدة من المسلمين في أوربا. وهي الأجيال التي ولدت وترعرعت وتشربت الثقافة الأوروبية، وتحمل الغالبية العظمى منها جنسيات الدول الأوروبية. ولذلك يستشعر الكثير منهم أنهم أوروبيون وطنا ومسلمون دينا، ولذلك فإن من يفكر منهم في الهجرة إلى أوطان آبائهم وأجدادهم نادر جدا. ومن صفات هذه الشريحة أن أعدادا غير قليلة منهم استطاعت الحفاظ على قيمها الإسلامية مع أخذها الكثير من قيم المجتمعات الأوروبية دون الشعور بالتعارض والتناقض مع مبادئ الإسلام في المجالات ذات الصلة بالعدل والحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون. كما أن هذه الشريحة تشعر باعتزاز بأنها جزء من أوربا الذي لا بديل لها عنه، وانطلاقا من هذا الشعور أقبلت على المساهمة بفعالية ومسؤولية في الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والرياضية باسم الدول الأوروبية .
ومن بين هؤلاء الطلاب من حقق نجاحا باهرا في مسيرته العلمية في الجامعات ومراكز البحث العلمي الأوروبية ، فأصبحوا من الكفاءات العلمية يتمتعون بمستوى ثقافي عالي ساعدهم في تفهم طبيعة وجودهم في المجتمعات الأوروبية وضرورة التواصل معها. ويساهم الكثير منهم اليوم في جوانب الحياة المختلفة من خلال تقلد مناصب إدارية وسياسية عالية. كما تمكنوا من الوعي بضرورة الموازنة بين محافظة الأجيال الجديدة على هويتها الإسلامية واندماجها في المجتمعات الأوروبية، على اعتبار ذلك ضرورة حيوية وحق يستند إلى مبدأ المواطنة وأهمية المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية بصفتهم مواطنون مسلمون. غير أنه للأسف هناك جزءا قليلا من هذه الشريحة يرفض التواصل مع المجتمعات الأوروبية والتفاعل مع قضاياه والمشاركة في إيجاد الحلول المناسبة لها من زاوية إسلامية معتدلة وسطية متسامحة ومتفاعلة وفاعلة. ويحمل بعض أفراد هذه الشريحة في أوربا أفكارا وآراء متشددة تساهم في تشويه صورة المسلمين والإسلام ، وتمنح الفرص للإعلام الأوروبي المضاد لنشر أفكاره وتصوراته المغرضة حول الإسلام وحضارته.
لقد كثفت رابطة العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة من انفتاحها على مكونات المجتمع المدني والهيئات المدنية والثقافية والتربوية والسياسية والحقوقية والأكاديمية في أوربا وأمريكا الشمالية من أجل عقد شراكات قصد إحداث تواصل مستمر فاعل ومنفعل وحوار متميز. ولعل استقبال الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي لوفد طلابي جامعي من أبناء الأقليات المسلمة في أوربا ، يندرج في هذا الإطار وعيا من الرابطة بضرورة التواصل مع الكفاءات العلمية المسلمة المقيمة في الديار الغربية باعتبارها تمثل جسرا للحوار والتحالف بين الغرب والعالم الإسلامي.
في عصر العولمة والانفجار المعلوماتي وتعدد الوسائط والحوامل السمعية البصرية تعرضت صورة الإسلام والحضارة الإسلامية إلى الكثير من التشويه الواعي وغير الواعي، واستفحلت ظاهرة الخوف من الإسلام أو الإسلاموفوبيا، التي أخذت أشكالا متنوعة لعل أبرزها التمييز الحاصل ضد المواطنين المهاجرين من أصول إسلامية في مجالات العمل والسكن والتمدرس وغيرها، بل تمادت بعض الأوساط الغربية في التبجح بمعاداة الإسلام والمسلمين وتسفيه مقدساتهم وتخسيسها والعبث بها، والإدلاء بتصريحات عنصرية يعاقب عليها القانون وتدينها التشريعات الدولية. كما تعرضت بعض المؤسسات الإسلامية لأعمال التخريب والتدنيس مثل ما حصل لبعض المساجد والمقابر والمراكز الثقافية الإسلامية في الغرب. وأمام تفاقم هذه الظاهرة واجه المسلمون في مختلف أنحاء العالم تمييزا وكراهية بسبب معتقداتهم الدينية. ووعيا من الأمم المتحدة بخطورة هذه الظاهرة دعت إلى الحد منها واعتمدت يوما عالميا لمكافحة الخوف من الإسلام الذي تحول لاحقا إلى ” اليوم الدولي لمكافحة الكراهية ” يتم الاحتفال به يوم 15 مارس من كل سنة منذ عام 2021 . وقبل ذلك أكدت وثيقة مكة المكرمة عام 2019 أن ” ظاهرة الإسلاموفوبيا وليدة عدم المعرفة بحقيقة الإسلام وإبداعه الحضاري وغاياته السامية، والتعرف الحقيقي على الإسلام يستدعي الرؤية الموضوعية التي تتخلص من الأفكار المسبقة لتفهمه بتدبر أصوله ومبادئه ، لا بالتشبت بشذوذات يرتكبها المنتحلون لأسمه ومجازفات ينسبونها زورا إلى شرائعه”.
ويمكن لطلاب الجامعات من أبناء الأقليات المسلمة في أوربا وأمريكا أن يساهموا في التعريف بحقيقة الإسلام في إطار مبادرات تشرف عليها رابطة العالم الإسلامي من خلال مراكزها ومكاتبها في هذه الدول. ومن تلك المبادرات عقد منتديات سنوية ، ومؤتمرات علمية ، ودورات تدريبية ، وحلقات دراسية ، وتنظيم مخيمات صيفية ثقافية ، وملتقيات رياضية بهدف تعزيز الحوار والتواصل والانفتاح والفهم والتفاهم بين الطلاب في الجامعات الدولية .
تعليقات ( 0 )