من غرائب العمل النقابي في هذا البلد السعيد أن تشارك نقابات معروفة، عن سبق إصرار و ترصد، في طبخ نظام أساسي “مسموم” لبلقنة التعليم، والإجهاز على ما تبقى من ثقة في المدرسة العمومية، قبل تعود و تنكر الأمر رغم أنها ضبطت في حالة تلبس.
ما حدث بكل اختصار أن النقابات التي شاركت في هذه الجريمة لم تكن تتوقع هذا المد الجارف من الغضب الذي اجتاح الجسد التعليمي، بعد أن تم التواطؤ من أجل استهداف عصبه الأساسي ممثلا في الأساتذة.
النقابات كانت تراهن على ترهل الجسم التعليمي لذا قبلت بصفقة ملتبسة مع الوزارة، مستغلة “شرعية” صارت دون مصداقية، بعد أن تم القبول بنفخ مبالغ فيه لتعويضات المدراء، والمفتشين وتسوية بعض الملفات القديمة، في حين منح عشرات الآلاف من الأساتذة والأطر قالبا كبيرا.
اليوم “دموع التماسيح” التي تذرفها النقابات على ما جاء به النظام الأساسي يجعلها تماما كمن يأكل مع الذيب ويبكي مع السارح بحرقة..
“إيوا هذا قالب زوين” على حد تعبير الثنائي الراحل لهناوات.
والواقع أن النقابات بالمغرب صارت كالأحزاب، مجرد ديكور وأثاث قديم توظفه الدولة لتمرير عدد من التدابير التي تغلف ظلما بشعار الإصلاح ليدفع المغاربة ثمنها في نهاية المطاف.
موت النقابات سبق وأن اتضح بعد أن كشفت المندوبية السامية للتخطيط عن أرقام جد مخجلة.
المندوبية قالت أن معظم السكان النشيطين المشتغلين (%95,7) غير منخرطين في أية نقابة أو منظمة مهنية، في حين تصل النسبة في صفوف المستأجرين إلى %92,8
هذه الأرقام الصادمة دليل آخر على حالة الكساد والإفلاس التي دخلت فيها النقابات منذ أن فرطت في نفسها، وأصبحت رهينة في يد زعامات تعود لما قبل انهيار المعسكر الشرقي.
كما تحولت لأداة في يد وجوه قديمة، حولتها إلى سجل تجاري من خلال تعبيد الطريق لولاية ثالثة ورابعة بعد تعديل القانون نزولا عند “رغبة المناضلين وجماهير الطبقة الشغيلة”؟
الغريب أن هذه الأرقام التي تعد بمثابة شهادة وفاة للنقابات تتناقض تماما مع الحروب الشرسة، والصراعات والانقلابات التي تغرق فيها هاته الهيئات التي تستفيد من المال العام تحت غطاء “النضال”.
“النضال”الذي حمل تعريفا آخر بفعل الريع، وإكراميات التفرغ والسمسرة والصفقات المالية والسياسية التي تتخذ من العمل النقابي غطاءا، وقنطرة سريعة للإثراء على حساب مطالب العمال.
لقد كانت احتفالات فاتح ماي الماضي جنازة حقيقية جديدة عاينا فيه نقابات بدون صوت أو صدى، لكن ذلك لم يشكل عامل قلق للجاثمين على هاته الهيئات، أو الأحزاب التي تدور في فلكها والتي لا يختلف حالها كثيرا، في ضل عزوف المواطنين عن العمل السياسي والحزبي، واتساع رقعة المقاطعين للعملية الانتخابية .
تفعيل قانون النقابات، و وجود نقابات قوية، وشفافة، لا تتهرب من كشف حساباتها، هو أمر ضروري،و ملح، لتنمية الحراك الاجتماعي، والحفاظ على التوازنات في أي بلد له نية خالصة للسير في طريق الديمقراطية الطويل، ولو بإيقاع بطيء.
لكن ما نعاينه اليوم هو أننا أصبحنا أمام أحزاب مفصولة عن الشارع، والواقع، ونقابات فارغة بدون قواعد أو مصداقية.
وفاقد الشيء لا يعطيه.
تعليقات ( 0 )