نهاية التعليم “فابور “

 

تجاهل الوزير السي بنموسى الإضراب الذي خاضه عشرات الآلاف من رجال ونساء التعليم، واختار أن يكتب لهم في يومهم العالمي رسالة “طنز” غارقة في الإنشاء بعد أن وضع أمامهم لغما كبيرا من خلال نظام أساسي مسموم، يهدد بهدم ما تبقى من المدرسة العمومية.

بنموسى برسالته صار كمن يأكل الغنم ويبكي مع السارح، حين سارع، وبسوء نية، لتمرير نظامه الأساسي أمام المجلس الحكومي في صفقة مع نقابات “آخر زمن”  التي صمتت عن مقتضيات خطيرة تهدد ببلقنة القطاع، وخلق حروب “داحس والغبراء” بين مكوناته.

جاء ذلك بعد إقصاء عصب المنظومة ممثلا في الأستاذ من أي امتياز في مقابل سخاء مبالغ فيه مع المديرين والمفتشين الذين ولد لنا تفتيشهم تعليما أعرج في ضل انشغال بعضهم بدنانير القطاع الخاص.

ما يقوم به بنموسى وطابوره يؤكد ومن جديد أن إصلاح التعليم العمومي بالمغرب صار معجزة، وحلما  بعيد المنال.

هذا رغم الميزانيات الضخمة التي صرفت، وعشرات الوصفات التي جربت بشكل ارتجالي، لنصل في النهاية إلى قناعة مفادها أن  الدولة لها مشكل حقيقي، وتردد في فهم، وتنزيل التعليم الذي تريده أن يكون على مقاسها، مادام القطاع وعلى مر التاريخ كان يعاني من توجس السلطة.

اليوم في خضم الضجيج والصخب الذي تلا تمرير القانون الأساسي يتبين أننا نسير للوراء ، وأننا لن نصل  إطلاقا إلى الأهداف المسطرة ضمن الرؤية الاستراتيجية في موعدها المحدد سنة 2030 تاريخ تنظيم المونديال.
لن نطرح السؤال عن الجدوى من وجود المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ولن نعود لتعيين عجوز على رأسه في زمن الذكاء الصناعي، ولن نتباكى على التعويضات السمينة التي تصرف.

سنعود فقط لتقرير قديم صدر عن الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس، والذي قال أن تدني “جودة التربية، وجودة مكتسبات التلاميذ”، هو مشكل بنيوي تخلصت منه العديد من الدول في عقد من الزمن، فيما لازلنا في هذا البلد السعيد ندور في متاهته المفرغة.

والواقع أن العطب الذي يعوق إصلاح التعليم بالمغرب سياسي بامتياز، في ضل الضبابية التي تتعامل بها الدولة مع المدرسة العمومية، والرغبة في التحكم في منتوجها وفق أنماط معنية، تعيد تدوير نفسها، وهو ما أوصلنا إلى الانحطاط الذي ندد به الوزير “امزازي” قبل أن تطوى صفحته.
هذه الضبابية تفسر أيضا صمت الدولة عن مشكل الحكامة الخطير في القطاع، كما تفسر عدم الاهتمام بالمعلم ماديا واعتباريا، والسعي لتحطيم صورته ونفسيته رغم أنه يبقى الركيزة الأساسية لأي عملية إصلاح جادة، وبنوايا واضحة.
هناك سوء فهم كبير ومستمر بين الدولة والتعليم الذي هو أنجع وأقصر طريق للارتقاء بالفرد والمجتمع، وتعميق هذا الوضع سيكون هدرا للزمن، ولمستقبل أجيال بأكملها، وحكما بالفشل المسبق على أي “إصلاح”.

لقد حذرنا من اعتماد التعاقد مع بدايته، وقلنا أن سحره سينقلب على الساحر، لكن حكومة بنكيران باعت لنا هذا القرد بدعوى محاربة الاكتظاظ قبل أن تقلب به نمط التوظيف بالقطاع، فيما أكملت الحكومة الحالية الباقي مع وزير سيكون أكبر إنجاز له هو صنع  فضيحة جديدة مشابهة للبرنامج الاستعجالي.

النتيجة اليوم أننا نمارس “الترقيع” و”الركيع”، وعوض أن نركز في خطة الإصلاح على العنصر البشري نهرب إلى الأمام بنمط التوظيف، و لغة التدريس والمناهج وصفقات المقررات، و نهمل القيمة الاعتبارية وماهية الأستاذ الذي هو عصب العملية التعليمية في مقابل “تجويعه”، و تكريس صورته ك”كائن شهري”.

لن نخوض في جدال من أجبر هؤلاء على توقيع العقود من البداية، لأن الأزمة أكبر من تختزل في ذلك ما دامت تمس جوهر المدرسة العمومية.

مدرسة يراد لها ومن جديد ألا تعيش الاستقرار، وأن لا تسلك المسار الذي يمكن أبناء المغاربة من تعليم جيد، ومنصف، بعيدا عن “نهب” التعليم الخاص، بعد أن تحولت التربية، والتعليم، إلى بضاعة مؤدى عنها برعاية من الحكومة التي وجدت حلا تدريجيا يعفيها من تحمل الكلفة السياسية والشعبية لإلغاء المجانية.

مدرسة عمومية رصدت لها، ولسنوات طويلة ميزانيات ضخمة، لكن وللأسف تم تحريف مسارها لصفقات صارت موضوع تحقيقات لدى الفرقة الوطنية، كما أنجزت بشأنها تقارير سوداء من طرف أعلى هيئة رقابية بالبلد، والتي كشفت أين يوجد العطب بالوزارة دون أن يتم إصلاحه.

التعليم خط أحمر فرجاءا انقلوا عبثكم إلى ملعب آخر.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي