فيديو الطفل الذي عبر باكيا عن رغبته في أن يصبح “شفارا” لخص، وباختصار، فشلنا كبلد في صنع مشروع مجتمعي بعد أن صار حلم أطفال أبرياء على عهد الوزير بنموسى هو أن يصبحوا “شفارة”.
بنموسى الذي سلم لنا الكثير من الشفوي في نموذج تنموي بدون ملامح ، فاته أنه وزير للتربية قبل التعليم، وبالتالي فرسالة الطفل الذي يريد أن يصبح شفارا موجهة بالأساس لهذا الوزير الذي لا ندري فعلا من اقترحه في هذا المنصب.
بعيدا عن بنموسى الذي يعبث بتعليمنا العمومي كسابقيه… لا يمكن إلا أن نعتبر صرخة الطفل بمثابة حلم صار يتقاسمه عدد من المغاربة الذين يجتهدون في البحث عن “الهوتة”.
سعي صار مشروعا في نظر الكثيرين وهم يرون كيف انتقل عدد من المعدمين و”المكردين” من تحت عتبة الفقر لنادي المليارديرات بالشفرة ونهب المال العام دون محاسبة وفوق ذلك أسندت إليهم مناصب رفيعة.
صرخة الطفل بأن يصبح شفارا خرجت من داخل مدرسة، وهي رسالة أيضا ما دامت الملايير التي رصدت لتعليم أبناء المغاربة قد تقاسمها عدد من “الشفارة” الذين صرنا نعرفهم جميعا حق المعرفة.
هنا لا بأس من العودة للبرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم الذي كلف 3700 مليار سنتيم، وفضيحة “التعليم الرقمي” الذي كلف 100 مليار سنتيم، مقابل 600 درس رقمي، و40 ألف حاسوب تحول إلى خردة مع معدات معلوماتية أخرى.. لنفهم صرخة بغيت نولي شفار.
غسيل”برنامج جيني” تم نشر جزء كبير منه في تقرير ثقيل للمجلس الاعلى للحسابات، وهو بالمناسبة ليس مكتب دراسات أو استشارات، بل أعلى هيئة رقابية بالبلد.
الافت أن رئيس الحكومة السابق أقر بفشل هذا البرنامج، لكن الوزير السابق امزازي كان له رأي آخر بعد أن مسح، ودفعة واحدة، الشبهات الكثيرة التي تحوم حول صفقاته، والاختلالات الكثيرة التي رافقته من خلال الحديث عن اقتناء عشرات الآلاف من المعدات المعلوماتية التي لا ندري فعلا مصيرها النهائي، في ضل وجود المئات من القاعات المغلقة بالمؤسسات التعليمية، وآلاف التجهيزات التي تحولت لمتلاشيات.
الوزير صاحب المتتوجيين و المتتوجات سامحه الله، منح براءة تامة ومطلقة لهذا البرنامج، وهي براءة موجهة لمن طبخوا صفقاته، والذين لا زالوا يتحكمون في صنع القرار بالوزارة دون أن تطالهم يد المحاسبة رغم أن بصماتهم واضحة أيضا في فضائح البرنامج الاستعجالي وفي غيره من المشاريع التي جعلت قطاع التعليم ينتج في كل مرة جيلا جديدا من الفساد.
بغيت نولي شفار تشرح لنا أيضا كيف يواصل المسؤولون الكبار ممن نهبوا الملايير، التعايش بسلام مع ملفات جنائية تزحف بسرعة الحلزون في ردهات المحاكم وغرف التحقيق.
لقد سبق لعدد من الحقوقيين أن انتقدوا طريقة تعاطي القضاء والمصالح المكلفة بالبحث مع ملفات الفساد المالي، بعد أن استهلكت بعض القضايا سنوات دون أن يتم الكشف عن المتورطين فيها، فيما تم تبرئة آخرين، أو تمتيعهم بعقوبات موقوفة التنفيذ رغم خطورة الأفعال المرتكبة، والتهم الثقيلة الموجهة إليهم.
واقع لا يمنح لهؤلاء فرصة الإفلات من العقاب فقط، بل ويتيح لهم الاستمرار في مناصبهم وترقيتهم وتمكينهم من تدبير الشأن العام، كما يفسر لنا و بالخشيبات لماذا صرخ الطفل بكل عفوية و براءة “واااا بغيت نولي شفار”.
إذا ظهر السبب بطل العجب…
نحن باختصار أمام عبث يحلينا على ما سبق وأن نبهت له الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، والتي قالت أننا في بلد تحرص شريحة واسعة من نخبه السياسية، على تعبيد طرق آمنة لنهب المال العام من خلال التصدي لتجريم الإثراء غير المشروع، فيما تقف أخرى عاجزة أو مستسلمة أمام مد الفساد ورموزه الذين يستفيدون من عدم المحاسبة وتكريس الإفلات من العقاب.
وضع صار يتطلب شجاعة وجرأة سياسية ومجتمعية للتصدي له ، لأن أي حديث عن مشروع تنموي دون اقتلاع جذور الفساد، أو على الأقل فتح مواجهة معه، هو مجرد مضيعة لوقت ثمين سنندم عليه كثيرا..
الآن يبدو واضحا لما صرخ الطفل باكيا…بغيت نولي شفار…
تعليقات ( 0 )