إنه الوقت لكي نقف وقتة رجل واحد ومؤسسة واحدة وقيمة واحدة وعزم واحد وإيمان واحد لتنظيف البيت الداخلي المغربي من الغرباء المسيطرين على الشأن العام. وقد نكاد نجمع، كشعب، على وبال ما، يشبه الديمقراطية، خطير على مستقبل الوطن. تصالح نظامنا السياسي مع الحركة الوطنية بعد المسيرة الخضراء وبعد الإجماع الوطني الذي رافقها. نسينا الماضي بعد سنوات الرصاص ونظمت جلسات تلفزيونية تشبه ” فضح ” ممارسات قمعية حصلت منذ بداية الاستقلال. وفي ذلك شيء من الذكاء في قراءة التاريخ المعاصر. دار بريشة ودار المقري مكان واحد. الأول شهد تعذيب مناضلي حزب الشورى والاستقلال على يد بعض ” مجرمي ” حزب الاستقلال ” والثاني شهد فظاعات بعد أن سيطرت أطر فرنسا المغاربة على أجهزة أمنية بعد ظهور الإختلاف حول كيفية تدبير الشأن السياسي في بدايات الاستقلال. وأستمرت الفظاعات في درب مولاي الشريف ومختلف مراكز الاختفاء القسري ووصولا إلى السجن المركزي بالقنيطرة. ووصلت مرحلة الكشف عن تزمامرت لتنهي مرحلة الصراع حول مشروعية الحكم وتفتح مرحلة سميت بالتناوب مع ما رافقها من أمل في القضاء على ماض لا يشرف.
الأمر الحقوقي في تطوراته الإيجابية الأولى أحدث رجة كبرى على صعيد التعامل مع حقوق الإنسان وما اطرها من اتفاقيات دولية. تطورت الصحافة الحرة خلال مرحلة وتطورت حرية التعبير وارتفع منسوب الثقة في المؤسسات. لكن مظاهر الردة والرداءة كان مهندسوها بالمرصاد لما تم إنجازه بعزيمة ملكية. شبكات الريع السياسي والإقتصادي لم تستسغ المسيرة الجديدة نحو الحداثة والديمقراطية. اعدوا العدة، بمن فيهم بعض أشباه المناضلين اليساريين، ليوقفوا مسلسل التصالح التاريخي ويفتحوا الباب من جديد على تقنوقراط وكأن الوزير الأول اليوسفي وحزبه لا يسايران متطلبات مرحلة جديدة رغم تقدمهما الانتخابي في سنة 2002 . وكان ما كان من قبول قيادة الإتحاد الاشتراكي للوضع الجديد ما كان سببا في ما سيعرفهم حزبهم إلى اليوم. وحصل الضعف وغاب الفاعل الحزبي التقليدي ليحل محله كائن جديد بعضلات ومال وجاه وسلطة. وأستمرت محاولات لإضعاف الأحزاب الوطنية وتهيئة ظروف لبزوغ ما سمي ” بالوافدين الجدد” في شكلهم الجديد وذلك الذي أريد له أن يتجدد لكي يتقمص كل الأقنعة. جاءت مجموعة هجينة، أصبحت حزبا قيل أنه سيربط الأصالة بالمعاصرة، ولكنه لا يزال يبحث عن المفاتيح بعد أن جرب ستة رؤساء من كافة أطياف السياسة بعد أن عانقوا سراديب النوم العميق. ويظهر أن السادس من بينهم يخلط كل الأوراق بعد أن تمت إزاحة بن شماس و”غيب ” الياس العماري. قيادته الحالية خليط من الناس، يتحدث زعيمهم في كل القضايا مع التركيز على القضايا الفرعية المهيجة ونسيان أن الممارسة الديمقراطية والمحاسبة لكل من يدبر الشأن العام هي أولوية الأولويات لتقوية مؤسسات الدولة.
القيادة تجمع صاحب المال بصاحب الماضي اليساري وصاحب المستوى الدراسي البسيط وكلهم في مناصب القرار. ونفس المسار عرفه ” حزب الإدارة التاريخي” الذي انقلب فيه صلاح الدين مزوار على مصطفى المنصوري وتولى زعامته عزيز اخنوش مهمة قيادته بعد عثرة مزوار إلى أن وصل إلى رئاسة الحكومة . وأمطرت السماء وزراء ووزيرات قيل في امرهن ما قيل إلا الرابط السياسي بالحزب. أما حزب الاستقلال، فبالرغم من تجدره التاريخي، لا زال يفاجئ مناضليه بغرباء كوزراء ووزيرات. مغرب مشروع الدخول إلى ميدان الدول الصاعدة يحتاج إلى كفاءات أكبر بكثير مما هو موجود في الحكومة والجهات والأقاليم والمدن.
وكل هذه التطورات تذكرنا بتاريخ صراع حول الإصلاح الدستوري انطلق قبل سنة 1962 ليزداد تاججا بعد انتخابات 1963 بعد خلق ما سمي آنذاك ” بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” تحت قيادة أحمد رضا جديرة ومصاحبة قيادة الحركة الشعبية وجزء من حزب الشورى والاستقلال. ولم تنجح الجبهة في الدفاع عن ” المؤسسات الدستورية ” قتفرتقت” بعد إعلان حالة الاستثناء سنة 1965. ما جرى بعد هذا التاريخ كان كبيرا وخطيرا على بلادنا. تم اختطاف المهدي بن بركة وازدادت كثافة التوتر بين القصر والأحزاب الوطنية إلى أن ظهرت خيانات داخل الجيش من خلال محاولتين انقلابيتين فاشلتين ضد الملك الراحل الحسن الثاني. والحمد لله على هذا الفشل. ورغم كل ما حصل، ظل الوضع السياسي رهين الإختلاف حول الإصلاحات الدستورية إلى أن بدأت التوافقات التي أدت إلى مرحلة التناوب.
كان الأمل كبيرا بعد هذا التناوب وتجربة الإنصاف والمصالحة إلى أن بدأ البعض في تعتيم الأجواء بعد نوع من الخوف أصابهم جراء تطور حضور الاسلاميون في المجتمع والسياسة. أرادوا مصارعة الاسلامين على أرض الانتخابات فاضعفوا الصف الحداثي والاشتراكي وادخلوا إلى الممارسة السياسية صنفا جديدا من الانتهازيين الجدد وليس الديمقراطيون الجدد. تراجع حضور الإتحاد الاشتراكي ومعه حزب الاستقلال وحتى الحركة الشعبية وتحالف حزب التقدم والاشتراكية مع حزب رئيس الحكومة الجديد عبد الإله بن كيران. فاختلطت الأوراق سياسيا واقتصاديا وأصبحت الحكومة تسبح، بعد دخول حزب الأحرار الذي عوض حزب الاستقلال، بأمر من أمينه السابق شباط، في بحر من اللاتوافقات مع مكونات حكومة غير منسجمة في الأساس. وانقلب السحر وانقلب الحليف على حليفه رغم كونه كان الممسك بكل الوزارات والبرامج والملفات الكبرى. وكانت شهرزاد قد سقطت في فخ شهريار وتوقفت ألف ليلة وليلة.
ويستمر اليوم شريط الاخفاقات السياسية في ظل سوء تدبير أزمات سياسية وبيئية. ويستمر معه تغييب مصالح المواطنين واضعاف قوتهم الشرائية. قبل سنتين كان حزب الأحرار يسيطر على أهم الوزارات، فانقلب على العدالة والتنمية. وبعد الانتخابات الأخيرة تحالف مع حزب الاستقلال والعدالة والتنمية ولا زالت الانتظارات الشعبية قائمة. ولولا البرامج الملكية لما مر تعميم التغطية الإجتماعية والقانون الإطار للإستثمار ولما وجدت تقارير كتلك التي صاغتها لجنة النموذج التنموي الجديد الذي لا زالت الحكومة تبحث عن آليات تنزيله. الأمر لحد الآن لا يتجاوز الخطاب عبر برنامج حكومي وكلام خلال نقاش قانون المالية وقوانين أخرى. أما عمق النموذج التنموي في مجال الحكامة في كافة المجالات فلا زالت بعيدة عن التنزيل.
ولا زال المواطن ينتظر تحسين الأوضاع. ولا زالت الحكومة غير منسجمة في تحديد الأولويات ومخاطبة الفئات الإجتماعية بنفس الخطاب. فما بين نزار بركة الهادئ الصامت ووهبي صاحب الخرجات غير الموفقة وعزيز اخنوش ممثل الطبقات الميسورة، تسير مركبة الحكومة في بحر تتطلب حالة هيجانه ربانا في مستوى المرحلة الراهنة. هذا الربان يجب أن يخفف وزن فريق التدبير السياسي المحلي والإقليمي والجهوي والوطني من أشباه المسؤولين. قيل أن الربان ومساعديه أعطوا وعودا لفاسدين بعدم مس سلامتهم ما داموا منبطحين. وقيل للناس أن اصبروا على ما أصابكم من مدبري شؤونكم لأنكم أنتم من صوتتم عليهم. ومن هنا يفتح باب العزوف عن السياسة وكره مؤسسات الدولة والتشكيك في المدرسة والمستشفى والمحكمة والإدارة. ومن هنا تبدأ الثغرات التي تؤدي إلى اعتبار من اغتنى بطريقة غير شرعية بطلا سياسيا يحتل المناصب ويخون الوطن. يبيع التزكيات ويبحث عن من له رصيد انتخابي من الأعيان الأغنياء بغض النظر عن التوجه السياسي و” حاشاكم ” الايديولوجي. وهذا الأمر أصبح ممارسة في أحزاب وطنية كان لها تاريخ. سأل أحدهم رئيس أحد الأحزاب التقدمية ” مازحا” عن شروط حصوله عن تزكية انتخابية. فأجابه بسؤال كبير: ” على كم من البطاقات الوطنية تسيطر”؟ أما قائد اخر، فيقال أنه جاب البلاد طولا وعرضا موزعا للتزكيات ” ببلاش ” كما قال أهل مصر.
هذا الوطن يحتاج إلى رجة نفسية وسياسية لكي يظل قويا بتلاحم جميع مكوناته تحت قيادة شرعية وتاريخية يقودها بصراحته المعهودة أب المغاربة وملكهم الذي يخاطبه المغاربة: ” ملكنا واحد، محمد السادس”.
تعليقات ( 0 )