أرض الأحلام هنا ليست هي بلاد العام سام التي ينتظر مئات الألوف من المغاربة أن تبتسم لهم قرعتها كل عام، بل هي مجرد أرض خلاء ترقد خلف السكة الحديدية بمدينة سلا بمحاذاة طريق القنيطرة.
هذه الرقعة التي تظهر للمسافرين غبر الطائرة مثل بلدة دمرها قصف عنيف، كانت في السابق تضم عشرات الأكواخ البئيسة.
بعدها تحولت ومنذ سنوات إلى قبلة لقناصي الفرص من المغاربة البسطاء الذين يبحثون عن طريقة لاستثمار “جوج ريالات” جمعوها بعد كد سنين طويلة، من خلال شراء قطعة أرض بسعر مغر، لا يوجد في السوق، وبعد ذلك ينتظرون أن يبتسم لهم الحظ، وتسقط المنطقة من لائحة الأماكن الممنوعة من التعمير ليحصوا على منزل مجاني بعد بيع نصف العقار الذي تم شرائه بأسعار مضاعفة.
قبل هؤلاء جرب المئات نفس الطريقة، في مكان مجاور تحول إلى مدينة شبح تستقطب مخرجي أفلام الحروب.
مدينة مشوهة اسمها سيدي الطيبي.
هؤلاء وجدوا أنفسهم مدفونين وهم أحياء، ليعيشوا مع عقدة تأنيب الضمير والحسرة بعد أن فرضوا على أسرهم العيش في منازل عشوائية بدون ماء ولا كهرباء وواد حار.
ولأن المصائب حين تنزل تأتي تباعا فقد أصبح بعضهم كما يقول المغاربة “الله كريم” بعد أن صدر قرار في سابقة تاريخية بنزع ملكية الأراضي والمنازل التي لم يظهر أصحابها بالمنطقة، علما أن معظمهم حرفيون بسطاء يشتغلون في الموقف أو جنود في الصحراء.
أرض الأوهام الموجودة في دوار “الميكة” أو سيدي الطيبي لم ولن تكون الأخيرة في هذا الزمن الصعب، الذي أصبح فيه امتلاك شقة لا تتجاوز مساحتها 45 مترا حلما صعب المنال.
والمسؤولية هنا تقع على وزارة الإسكان والدولة وبعض المنعشين والشركات و الأبناك الذين اختلطوا فيما بينهم مثل كفتة السردين المقدمة في الأسواق، وجعلوا أسعار العقار بالمغرب تفوق نظيرتها في فرنسا أو أمريكا.
هذا لأن الدولة حين تستيقظ متأخرة كالعادة من أجل تدارك التأخر الكبير في بعض المجالات، فإنها تفعل ذلك بطريقة تتيح فرصة تحقيق أرباح خيالية لمستثمرين تحولوا بفعل الجشع إلى نسور صلعاء.
تماما مثل ما حصل مع مشاريع السكن الاجتماعي التي خلقت مقابر سكنية حشرت فيها مئات العائلات، بدون مدراس أو مرافق بعد أن تم منح الأراضي بسعر50 درهما للمتر.
أزمة السكن بالمغرب وفق الطريقة التي اختارت الدولة أن تعالجها بها لن تجد طريقها للحل، بل ستخلق مشاكل اجتماعية خطيرة في المستقبل.
مشاكل يتعامى عنها المسؤولون الذين يصابون بقصر النظر لأنهم يقضون فترة فوق الكراسي ويذهبون إلى مناصب في قطاعات أخرى والباقي لا يهم.
السكن الاجتماعي هو ذاته الذي جربته فرنسا من أجل مسح جرائمها في حق المهاجرين المغاربة والجزائريين.
المهاجرون البسطاء الذين تم جلبهم من قراهم، وسجنهم أمام المدن الصناعية في أحياء صفيحة قبل أن تنقلهم إلى غيوتوهات عبارة عن عمارات متلاصقة ومكدسة في مناطق معزولة، ما خلق بعد عقود من الزمن جيلا كاملا من الحاقدين الذين أفرغوا غضبهم في السيارات والمحلات التجارية في أكثر من مناسبة، وجعلوا فرنسا تقف مذهولة أمام تمرد حقيقي في أحيائها الهامشية.
حان الأوان لتتدخل الدولة بشكل حازم لعلاج الجنون الذي أصاب قطاع العقار حتى لا يضطر شاب حديث العهد بالزواج لدفع خمسة وعشرين مليون سنتيم مقابل شقة من غرفتين مساحتها خمسون مترا.
شقة يتطلب سداد دينها عقدين من الزمن سيكون فيها هذا الشاب قد أنجب ثلاثة أبناء، أحدهم سيضطر للمبيت في المطبخ أو الرحيل….
تعليقات ( 0 )