حين وضع وزير الداخلية جميع الفاسدين في السجن وقال بايتاس أن "عهد الشعارات انتهى"

كشف فشلت حكومة اخنوش في تنزيل وعودها

الجميع يتذكر حملة أخنوش الانتخابية المنفوخة بوعود براقة، وشعارات تنطوي على نفس دعائي يتجاوز واقع البلد الذي يعرفه المغاربة.

رغم هذا نجح الرجل في القفز على ما يحتفظ به الشارع في ذاكرته من مصير عدد من الوعود المشابهة.

الأحرار، ورئيسه اخنوش، ومن ورائه آلة دعائية ضخمة تتجاوز الوسائل التقليدية سعى للترويج لنفسه على أنه “الحصان الرابح”،و رهان الدولة، وورقتها التالية، بعد أن تحول حزب الأصالة والمعاصرة إلى مجرد “مهمة” وانتهت، بغض النظر عن النتيجة والأداء.

حزب الأحرار حاول ما أمكن أن استثمار حالة التبرم الشعبي الواسع من حصيلة و أداء حزب العدالة والتنمية في ولايتين حكوميين، بعد أن استنفد الحزب ما لديه، و صارت بطاريته غير قادرة على تحمل ولاية ثالثة.

تماما كما صار مزاج الدولة، و الوضع العام لا يسمح بالتمديد، لكن ما حدث بعد ذلك كشف أن الكلفة ستكون باهظة، وأن أخطاء وتهور واستفزاز حكومة رجال الأعمال للشارع قد تنفخ النار في زيت السخط الشعبي.

حكومة تنام فوق سرير الفساد

ملفات كتذاكر المونديال وامتحان المحاماة تبقى عنوانا واضحا على تهور الفساد في عهد الحكومة الحالية.

فساد ينظر إليه اليوم من طرف جمعيات مهتمة بحماية المال مثل وباء سريع الانتشار أفقيا وعموديا.

السبب واضح بعد أن صارت العادة هي دفن الملفات،والرهان على الوقت والذاكرة القصيرة، وأساسا على توالي الفضائح بمنطق “وحدة تنسيك فالثانية” من أجل التهرب من المحاسبة.

الخطير أن الفساد الكبير الذي ينخر الاقتصاد، ويلتهم جزاء مهما من الناتج الخام، ويحرم المغاربة من حقهم في تنمية صارت تمنح لهم من طرف الدولة كجرعات صدقة، قد عرف بدوره تضخما يفوق التضخم الذي يعاني منه اقتصاد البلاد.

أحدث شاهد على ذلك هو مؤشر مدركات الفساد لعام 2022، والتي تقهقر فيها المغرب للمرتبة 94 عالميا، ليتراجع بذلك ب 7 مراكز مقارنة مع تقرير سنة 2021، والتي احتل فيها المغرب المرتبة 86، بعد أن كان في المرتبة 80 عام 2019.
ووفق ما ورد في التقرير الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فقد فحصل المغرب على 38 نقطة، مقابل 39 نقطة في العام الماضي، و41 نقطة عام 2019.

“مؤشر مدركات الفساد” يصدر بصفة سنوية من منظمة الشفافية الدولية، ويعنى بتتبع الفساد في مختلف الدول، والإجراءات التي تقوم بها الحكومات للتصدي له، لتحديد الدول الأكثر شفافية والأقل فسادا.

سياسيون يعارضون سجن الفاسدين

اللافت أن الحكومات السابقة كانت تتصدى لمثل هذه التقارير، وتملأ الدنيا ضجيجا، وتعتبرها تنقيصا من مجهودها في محاربة الفساد.

لكن الحكومة الحالية تبدو متصالحة عن قناعة مع الفساد الكبير، ما دام وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد بادر وقبل أن “يسخن بلاصتو “على كرسي وزارة العدل لإعدام مشروع تجريم الاثراء غير المشروع.
قرار سياسي يساءل أحزاب الأغلبية الحكومية يؤكد ما ذهبت اليه الهيئة الوطنية للوقاية من الرشوة التي نبهت لكون السياسيين المغاربة يعارضون سجن الفاسدين بهدف خلق بيئة مجتمعية مطبعة مع الفساد ومتعايشة مع الأزمة.

الهيئة وقفت عند بعض المعطيات ذات الدلالة العميقة في التعامل مع ظاهرة الفساد من طرف مختلف الشرائح الاجتماعية، حيث تم الوقوف على مستويات انصهارها، كوسيلة تلجأ اليها شريحة واسعة من الأسر والمقاولات، وتعتبرها أسلوبا لا مفر منه لحل المشاكل التي تعترضها.

وبخصوص تقييمها لآليات المساءلة وإعطاء الحساب، رصدت الهيئة العوائق التي تؤثر على نجاعة المفتشيات العامة بشكل خاص، في عدم تقييد سلطة الوزير المسؤول بإلزامية تحريك المسطرة التأديبية أو المتابعة القضائية، وعدم ضمان تلقائية تصديها لمختلف الاختلالات، وغياب التنصيص في نشر تقاريرها.

كما وقفت، بالنسبة للمحاكم المالية، على عدم إخضاع أعضاء الحكومة ومجلسي البرلمان لاختصاصها القضائي في ميدان التأديب المالي، وعدم تفعيلها للأحكام المتعلقة باسترجاع المبالغ المطابقة للخسائر المترتبة عن المخالفات المرتكبة، والمدة القصيرة لتقادم المخالفات المرتكبة في الميدان المالي، وضعف الإحالة عليها من طرف السلطات المختصة للقضايا ذات الصلة بالتأديب المالي.

ذات الهيئة قدمت حزمة من التوصيات التي اعتبرها الساسة مجرد “كلام مقاهي” على حد تعبير وزير العدل عبد اللطيف وهبي، ومن ضمن هذه التوصيات الساعية لإغلاق الباب أمام نهب أموال المغاربة

ضرورة ملائمة السياسة الجنائية مع متطلبات مكافحة الفساد، من خال توسيع دائرة التجريم والأطراف، ومراجعة نظام العقوبات بما يعزز الأثر الردعي لها، وتعزيز نزاهة وشفافية الجهاز القضائي، وضمان فعاليته خاصة باعتماد قضاء متخصص يستجيب للمتغيرات المتعلقة بتنوع جرائم الفساد المالي، والعمل على سد الثغرات التي تؤدي إلى الإفلات من المتابعة والعقاب، وتقوية مساطر المقاضاة، خاصة على مستوى المصادرة والحجز والحماية القانونية والتعاون مع سلطات إنفاذ القانون.

كما أوصت بالنهوض بالحكامة العمومية، وتحجيم حالات تضارب المصالح ومظاهر الإثراء غر المروع، وتحسن مقروئية مشروع القانون المالي، وترسيخ قواعد الشفافية والمنافسة في تدبر الصفقات العمومية والتدبير المفوض.

كما دعت الهيئة للارتقاء بالحكامة السياسية، من خال إعادة تأهيل المنظومة القانونية والمؤسسية المرتبطة بتخليق الحياة السياسية من منظور تصريف مكونات التخليق والنزاهة والمساءلة في المنظومة والممارسة الحزبية والانتخابية والبرلمانية، لتحصن العمل السياسي والتمثيلي من جميع الممارسات والانحرافات.

بايتاس والسيف الخشبي

أسابيع قليلة بعد تشكل الحكومة وفي غمرة الحماسة، والفرحة بالمنصب الوزاري قال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، أن “عهد الشعارات في محاربة الفساد انتهى”.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده بايتاس، في أعقاب مجلس حكومي حينها أكد أن محاربة الفساد قناعة لدى هذه الحكومة، وأن لديها الجرأة والشجاعة بإحالة الملفات التي ثبتت فيها مسؤولية أي كان على القضاء”.

غير أن بايتاس الذي كان يقطر الشمع على حكومة العدالة والتنمية صار يستعين بحكمة أن الفم المغلق لا يدخله الذباب في مواجهة الفضائح المتتالية لعدد من وزراء هذه الحكومة.

حدث ذلك بعد أن فقد التلميذ النجيب لأخنوش القشة اليتيمة التي كان يتمسك بها في مواجهة من ينتقدون ضعف عرابه الفادح في التصدي للفساد المالي الذي ينخر دواليب الدولة، ويجر المزيد من المؤسسات والقطاعات لحافة الإفلاس.

اليوم ومع التقارير الدولية التي تنشر غسيل الفساد بالمغرب يتأكد أن الخطاب الرسمي الذي يدعي محاربة الفساد فقد مصداقيته تماما، وأن المغرب يعاني من فساد مزمن يزيد استفحالا.

اليوم هناك حقائق لا يمكن إنكارها مرتبطة بالريع الذي ينخر اقتصاد البلاد، وتضارب المصالح الذي تسبب في تعطيل مؤسسات دستورية كما وقع لمجلس المنافسة مع ملف المحروقات الذي يبقى رئيس الحكومة أكبر مستفيد منه.

معطيات لا يكفي كلام الخشب في ندوة صحفية لحجبها، بعد أن سبق لوالي بنك المغرب ورئيس المجلس الاعلى للحسابات، ورئيس المجلس الاقتصادي و الاجتماعي، أن بعثوا بتحذيرات مماثلة لكن الصمت والتجاهل كان سيد الموقف.

يكفي أن نعود مجددا لتقرير الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة التي قالت أن الفساد بالمغرب لازال يتمدد، ويتخذ أشكالا أكثر تغولا، و أن جرائم الفساد الكبرى المتميزة بالتعقيد والتواطؤ لا تجد طريقها للقضاء.

وضع يبقى طبيعيا في بلد تحرص شريحة واسعة من “نخبه” السياسية، على تعبيد طرق آمنة لنهب المال العام من خلال التصدي لتجريم الإثراء غير المشروع، فيما تقف أخرى عاجزة أو مستسلمة أمام مد الفساد ورموزه الذين يستفيدون من عدم المحاسبة وتكريس الإفلات من العقاب.

وضع صار يتطلب حسب عدد من الفعاليات الحقوقية شجاعة وجرأة سياسية ومجتمعية لجعله ضمن الأولويات، ويشددون على أن أي حديث عن مشروع تنموي جديد دون اقتلاع جذور الفساد، أو على الأقل فتح مواجهة معه، هو مجرد مضيعة لوقت ثمين سنندم عليه كثيرا.

هدايا ملغومة

الوقائع والمؤشرات والهدايا التي جاء بها قانون المالية تؤكد أننا في حكومة تعبد الطريق لنهب المال العام، وتبديد ثروات هذا البلد، واحتكارها من طرف فئة قليلة تسعى بكل جهد للحفاظ على امتيازاتها بشتى الوسائل والطرق.

وضع يفسر لنا كيف أن الفساد لازال يلتهم 5 في المائة من الناتج الخام، ويحرم خزينة المغرب التي تغرق في المزيد من الديون والقروض من 5000 مليار سنتيم سنويا.

هذا الرقم الفلكي يمكن أن يحل لنا الكثير من المشاكل المستفحلة التي تأزم حياة المغاربة، وترسم صورة قاتمة وجد مقلقة عن ما هو آت في ضل توالي المؤشرات السلبية، لكن الحكومة غير قادرة على مد يدها لوقفت النزيف خوفا من التيار الجارف للفساد، وتجنبا لإغضاب بعض “اللوبيات” والحيتان الكبيرة التي تنشط من داخل الحكومة وخارجها ومن حولها.

اللافت أن رئيس الحكومة الذي لا يمكن له انطلاقا من حالة تضارب المصالح أن يتوفر على الإرادة والشجاعة السياسية لحل ملفات الفساد المتراكمة يسعى وفريقه الحكومي لإنعاش عدد من المؤسسات العمومية التي صارت عبارة عن ضيعات بملايير جديدة من المال العام.

يحدث ذلك عوض تفعيل المحاسبة والتدقيق في النزيف الذي تعرضت له، والذي صنع ثروات عدد من الأسماء والشركات التي ضلت ترضع بنهم من “المال السايب” قبل أن يجف الضرع.

الحديث عن تطبيع الحكومة الحالية مع الفساد وإنكار وجوه، يقودنا للعودة لتصريحات مثيرة للجدل صدرت عن وزير الداخلية على عهد الحكومة السابقة وشكلت عنونا لفهم الدولة للفساد.

حينها عبر لفتيت عن انزعاجه من حديث عدد من البرلمانيين عن الفساد وضرورة محاربته، وقال أن “الحديث عن أي فاسد أو فساد يتشرط وجود أدلة.

وخاطب لفتيت النواب قائلا “الله يجازيكم بخير… احتاطو من هذا الأمر جيدا”، ليردف” دابا يلا خرجت للشارع و سولنا أين هم الفاسدون سيقولون أنهم مجتمعون في هذه القاعة”.

وقال وزير الداخلية “حين نتحدث عن الفساد أو شخص مفسد يجب ان تكون هناك أدلة”.
وتابع وزير الداخلية قائلا “نحن نقوم يوميا بمهام تفتيشية…وبطيعة الحال نجد أشياء، كما أننا نذهب لمواضع تعتبر بؤرا للفساد لكننا لا نجد شيئا”، مؤكدا أن الفاسدين موجودون في السجن.

تصريحات تؤكد أن البلد ليست بحاجة إلى المزيد من كلام الإنشاء، والنوايا الطيبة، والتصريحات الاستعراضية، وتبادل الأدوار في تقاذف الاتهامات، بل بحاجة إلى رجال حقيقيين لهم جرأة مد يدهم إلى العصيدة ولو كانت ساخنة، وهؤلاء صاروا عملة جد نادرة بعد أن وصلنا للدرجة الصفر من السياسة.

تقرير أسود بيد الملك

والواقع أن وزير الداخلية كان بإمكانه العودة فقط لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي رفع في سنة2020 للملك، والذي بسط عددا من المؤشرات المقلقة التي تؤكد ما سبق وذهبت إليه تقارير سابقة من أن المغرب بلد ينخره الفساد ومقبل بسبب ذلك على أزمة صعبة ندفع ثمنها الآن.

المجلس رصد في تقريره السنوي استمرار نفس الاعطاب البنيوية التي عانت منه البلاد منذ عقود، وعلى رأسها الفساد، والتردد في تنزيل الإصلاحات الضرورية، و تردي قطاعي الصحة والتعليم .

كما أكد التقرير بلغة واضحة أن استمرار الفساد يعيق دينامية التنمية في البلاد من خلال الإبقاء على السلوكات الريعية، والحيلولة دون إعادة توجيه الموارد نحو الإستثمارات المنتجة والمبتكرة، وتكريس مشاعر عدم الثقة داخل المجتمع بشكل عام، وعلى مستوى مناخ الأعمال على وجه الخصوص.

ووقف المجلس عند مؤشر إدراك الفساد لسنة 2019 الذي سجل تراجع المغرب بسبع مراتب مقارنة بسنة 2018، ليحتل المرتبة 80 من بين 180 دولة، قبل أن يحيل على معطيات تفيد بان 58 فـي المائة من المقاولات التي شملها بحث سابق أنجزه مؤخرا البنك الدولي، أكدت أنها اضطرت في بعض الأحيان إلى تقديم “هدايا” للحصول على صفقة عمومية.

جيل جديد من الفساد

و لكي نتأكد بأن الفساد بالمغرب باق، ويتمدد، وينتج سلالات جديدة أكثر خطرا، مستفيدا من مناعة قوية، يكفي أن نطلع على فحوى الرسالة التي أصدرتها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها سنة 2021.

الهيئة قالت أن جائحة كورونا التي جعلت الجميع يختبئ خوفا من الفيروس، خلقت بيئة حاضنة ساهمت في زيادة مخاطر انتشار الفساد بأشكاله المعروفة، بل وظهور أشكال جديدة منه.

الهيئة، كررت نفس التحذير الذي جاء على لسان كل من والي بنك المغرب، ورئيس المجلس الاعلى للحسابات، والمندوب السامي للتخطيط، ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي ورئيس مجلس المنافسة، حين قالت أن المغرب “يواجه الآن تحديات كبيرة أكثر من أي وقت مضى”، وانه يجب أن يقوم بالتغييرات الرئيسية المطلوبة مع ضمان الإصلاحات الهيكلية المتسارعة”..

تحذيرات تلو أخرى يصر من يعنيهم الأمر على تجاهلها، رغم أن الوقت لا يرحم، ورغم ان الظروف الحالية وحجم الفساد المتغول، والعبث بالمال العام، وبمستقبل الأجيال المقبلة يفرض وبإلحاح فتح الملفات وتحريك المتابعات وجعل الفاسدين و سراق الوطن ضيوفا على السجون مع الشروع في الإصلاحات المطلوبة التي تخرجنا من حالة الاختناق الحالي.

هذا بالضبط ما أشارت إليه الرسالة حين شددت على أن النموذج التنموي “يجب أن يجعل من الشفافية والحكامة المسؤولة قاعدة أساسية قادرة على تلبية الاحتياجات والتوقعات المشروعة للمواطنين”

الهيئة وفي ضل وجود مسؤوليين ووزراء ينكرون وجود الفساد، قالت أنها ستطلق دراسة من أجل التعرف على أشكال “الفساد الجديدة” التي أفرزها الوضع الوبائي، وحجمها وتأثيرها”، قبل أن نكتشف أشكال الفساد القديم الذي نغرق فيه.
اللافت ان الهيئة تحدثت في رسالتها عن كون “مشروع الإصلاح يواجه قيودا ومقاومة للتغيير”، وهي جملة قديمة سمعها المغاربة بصيغ متعددة على مدار عقود، ضمن تشخيصات ركزت على المشكل، وتناست أن المهم هو إيجاد الحل والتحلي بالشجاعة لتنزيله.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي