المندوبية السامية للرياضة.. الرجل المناسب للتغيير

الزمن الرياضي لا يقبل المزايدات ولا انعدام الكفاءات وصراع “القيادات” ولا غياب التخطيط طويل الأمد ولا تسلل المتطفلين على التسيير الرياضي. السياسة الرياضية مجموعة مناهج وبرامج وآفاق والتقاءيه مع كل السياسات العمومية. الجموع العامة التي تشبه تمثيليات ضعيفة الإخراج والسينوغرافيا أصبحت تخضع لقوانين الغاب بقوة الأصوات وزيادة حجمها بمكبرات.

والكل يعلم أن كثير من ممتهني الجموع العامة علا نجمه واقتحم عالم السياسة فسيطر على مجالس ترابية ولجان برلمانية فارغد وأفسد وجعل اليأس يعصف برجال ونساء الرياضة الأكفاء. اليوم أسعد شباب رياضيون محبون للراية وراضون على تدبير فني وإداري على شكل قيادة واعية بأهداف الوطن شعبا ورفعوا علمه في الأعالي.

اليوم عرف الجميع أن العمل الجاد والمتابعة العالية والتوجيه السديد وعدم تشتت القرار هو سر نجاح في رياضة يمكن أن تكون قاطرة حقيقية لتفوق رياضات أخرى وقطاعات إنتاجية واجتماعية. يحز في النفس ألا يمتد هذا النجاح إلى كل المجال الرياضي.

أتذكر كثيرا وبكثير من الحنين تلك السعادة التي كانت تغمرنا ونحن أطفالا نتابع فريق مدينتنا العريق الكوكب المراكشي. خلال ثلاث سنوات متتالية قبل حوالي 60 سنة كنا نحتفل بوصول كأس العرش إلى المدينة الحمراء. وبعدها تسلط بعض الغرباء على الكرة وتشبتوا بالدهاليز إلى أن رموا بالكوكب في قعر بئر عميقة. ورغم فعلتهم لا زالوا مستمرين في رثاء الموؤودة التي تتساءل ” بأي ذنب” سلطت عليها أيادي لا تحمل أملا ولا مشروعا مستداما ولا حبا منبعثا من حومات مراكش العتيقة والتاريخية. هذا مجرد درس لفتح باب يجب أن يظل مفتوحا.

و من منا لا يتذكر تلك الامسيات التي استولى من خلالها سعيد لعويطة على قلوب المغاربة والعالم أجمع. آنذاك سمعنا أن اطرا مغربية كانت تشتغل مع هذا البطل وظهر شلال حقيقي من الأبطال حمل العلم وتقلد الميداليات وحظي بالدعم الملكي والشعبي. نوال المتوكل ومولاي ابراهيم بوطيب وإبراهيم بولامي وصلاح حيسو وخالد السكاح ونزهة بيدوان وهشام الكروج وفاطمة عوام وجواد غريب واللائحة طويلة. كانت هناك إرادة صاحبتها إدارة تقنية والتزام وطني. وكان علم المغرب يسمو في كل الملتقيات عبر العالم.

من منا لا يتذكر صولات لاعبي التنس المغاربة الذين طالهم النسيان. كم أفرحنا  يونس العيناوي وهشام أرازي كريم العلمي وغيرهم. الأمر نفسه يمكن قوله عن أبطال كرة اليد وكرة السلة والفروسية والكولف والكراطي والكيك بوكسينغ. رأسمال المغرب الرياضي موجود ويحتاج إلى التدبير الجيد والتأطير العالي وجعله سياسة عمومية تلتقي حولها كل الإمكانيات المؤسساتية والمالية والتكوينية المتاحة. الرياضة في مستوياتها الاحترافية العليا والشعبية لها آثار كبيرة على كل البنيات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية. ولهذا يجب وضعها في سلم الأولويات.

المهم في الموضوع هو أن تأخذ الدولة الموضوع بكثير من الروح الإيجابية التي أبانت عنها الدرجة العليا التي وصل إليها المنتخب الوطني في كأس العالم في قطر. أظن وألله أعلم أن رجال كرة القدم الافذاذ والمؤسسون قد تكون أرواحهم قد سعدت بنتائج أحفادهم. رحمة الله على بنجلون شوكولا والأب جيكو والعربي الزاولي وبلهاشمي وبلمجذوب وباموس وإدريس بن شقرون والعربي بن مبارك وغيرهم ممن صنعوا تاريخ كرة القدم.

الأمر يحتاج في يومنا هذا في مغربا هذا إلى فكر القيادة وادواتها وحمايتها من المتطفلين. من له القدرة على التدبير والتضحية فليتقدم. أما الباقون فمكانهم بين الجمهور وواجبهم التشجيع الحضاري والابتعاد عن التسول باسم حب الفريق لا غير.

لا مكان للبزنس السياساوي على حساب الرياضة والعكس صحيح. الجلوس في مقاعد المشرعين لا يحتاج إلى محترفي التسيير الرياضي. الأمر يحتاج إلى التعامل مع الرياضة كرافد من روافد التنمية وليس كقنطرة لما تكوين له ولا مشروع. اليوم يحتم على الدولة أن تعطي للرياضة ضمانا وحماية ضد أشباه المسؤولين الرياضيين. إنه وقت خلق مندوبية سامية للرياضة لا تخضع للزمن الانتخابي ولا للمحسوبية المرتبطة به. وبالطبع يجب وضع الرجل المناسب في المكان المناسب. المندوب السامي في الرياضة يجب أن تتوفر فيه شروط القيادة والقدرة على الإصلاح واختيار النساء والرجال الذين لهم القدرة على التميز وخلق ظروف النجاح. يجب زعزعة البنيات الجامعية في كافة الرياضات لكي تعلو القيم فوق المصالح الشخصية الضيقة.

أظن أن الإرادة موجودة وراسخة ورجال المرحلة والاستمرارية موجود والعبرة بالنتائج والله المستعان.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي