عشية الزيادة المرتقبة.. هكذا “اغتال” لوبي المحروقات “المنافسة” في القطاع وتلاعب بالأسعار

 

لا تمثل أرباح الشركات المرتفعة إلا الشجرة التي تخفي من ورائها غابة من الفوضى والألاعيب التي يعرفها قطاع المحروقات في المغرب، والتي تؤطر وضعا قارا لانعدام المنافسة الحقيقية في هذا المجال الاستثماري. فكل وافد جديد عليه أن يخضع لسوق تخضع لمنطق شركات كبرى تتحكم في الاستيراد والتخزين والتوزيع، بشكل يجعلنا أمام وضع يخضع لنسبة تركيز جد مرتفعة كما اعترف بذلك مجلس المنافسة.

لذلك، سيكون من العبث الخروج بخلاصات تقول إن شركة كبرى في قطاع المحروقات خفضت أرباحها “رحمة” بالمغاربة، إذا لم نأخذ بعين الاعتبار حصتها الشاملة في السوق. فمن يبيع مائة طن بهامش ربح يصل إلى درهم واحد لا يمكن مقارنته بمن يبيع 5000 طن مثلا بهامش ربح يقدر بـ50 سنتيم.. هذا دون أن نغفل مسألة غاية في الأهمية، وهي أن الشركات الكبرى تكون موجها للأسعار باعتبار تأثيرها على السوق بشكل مباشر.

في هذه النقطة بالذات المرتبطة بالتركيز، خلص مجلس المنافسة إلى أنه ارتباطا بتموقع الفاعلين في سوق الاستيراد، تم تسجيل نسبة تركيز عالية في هذا الفرع من السوق، إذ تستحوذ الشركات الأربع الرائدة، والمتمثلة في SMDC Afriquia”” و”Marketing Energies Total” و”Vivo Energy” و”Petrom”، دون غيرها على حوالي 68 في المائة من الواردات بالحجم، وتتوفر على أزيد من 61 في المائة من قدرات التخزين المحدثة، وذلك بالرغم من تزايد الفاعلين الجدد الذي انتقل إلى 11 فاعلا سنة 2018 إلى 25 فاعلا في الوقت الراهن.

الأرباح ومناورة الاستثمار

من بين الأمور التي يمكن استنتاجها من خلال قراءة تقرير مجلس المنافسة، هو الحديث عن الربح الصافي، بعد أن تكون هذه الشركات قد أنفقت حصصا من أرباحها في أمور أخرى، على رأسها الاستثمارات أو نفقات أخرى، وهو الأمر الذي يضعنا أمام مفارقات عجيبة تجعل أهم شركة محروقات في البلاد بدون أرباح مهمة على الرغم من حصتها السوقية الكبيرة، والتي تصنفها في خانة الثالوث المستحوذ على سوق الغازوال والبنزين.

مثلا إذا سلطنا الضوء على نشاط التوزيع، فإنه يبقى حسب رأي مجلس المنافسة جد مربح نظرا لمستويات المردودية العالية التي يمكن اكتسابها، حيث كشف استغلال المعطيات الخاصة بالفترة المعنية (2018-2021) عن مستويات مردودية مرتفعة للغاية ومتواصلة بشكل عام، مع وجود فوارق بين الشركات. ويساوي معدل المردودية المحتسبة النسبة بين النتائج الصافية ورؤوس الأموال الذاتية، كما يتضح من موازنات الشركات المعنية.

في هذا الإطار، تبرز شركة “Winxo” بتحقيقها بنسبة مردودية مالية تجاوزت بصفة عامة 60 في المائة، متبوعة بشركة “Vivo Energy Maroc” التي حققت نسبة عالية تراوحت ما بين 44 و52 في المائة. بالمقابل، لم تتجاوز نسبة المردودية المحققة من طرف شركتي “Petrom” و”Ola energy Maroc” 20 في المائة خلال الفترة سالفة الذكر. وتأرجحت هذه النسبة فيما يخص شركة “Afriquie SMDC” بين 11.5 و22 في المائة.

وتحليل لهذه الوضعية “الغريبة”، يقول المجلس إن أسباب هذه الفوارق الملحوظة لدى الفاعلين تعزى إلى الاختلافات المسجلة على مستوى الاستثمارات التي يقوم بها كل فاعل، لاسيما في تطوير قدرات التخزين وشبكة التوزيع. فعلى سبيل المثال، حققت الشركة الرائدة من حيث حصص السوق “Afriquie SMDC” استثمارا خلال فترة 2018-2021، بلغ في المتوسط 319 مليون درهم في مجال تطوير البنيات التحتية للتخزين وشبكة محطات الخدمة، فيما لم تقم شركة “Winxo”، بتعبئة سوى قراقبة 185 مليون درهم، أي حوالي نصف المبلغ المرصود من قبل الشركة الأولى. كما أنجزت شركة “Vivo Energy Maroc” استثمارا قجره 285 مليون درهم.

وعموما، فقد خلص المجلس إلى أن أسواق الغازوال والبنزين تتسم بنسبة عالية من التركيز سواء في المراحل الابتدائية أو النهائية سلسلة القيمة، وذلك بالرغم من دخول فاعلين جدد لم يسعف حجمهم وإمكانياتهم وأصلهم في ضخ دينامية تنافسية جديدة في هذه الأسواق. وزيادة على ذلك، ظلت بنية الأسواق وسير المنافسة بها شبيهة لتلك الموروثة عن الحقبة التي كانت تحدد فيها الأسعار من طرف السلطات العمومية.

اللامنافسة.. تواطؤ؟

من الخلاصات الخطيرة التي توصل إليها مجلس المنافسة في تقريره هو ما يتصل وجود نوع من عدم استعداد الشركات للمنافسة استنادا إلى الأسعار، وهو ما يمكن أن يفسر من جانبنا بوجود تواطؤ ضمني في ظل الأرباح الكبير التي يحققها الفاعلون في هذا القطاع، سواء تعلق الأمر بالشركات الكبيرة أو حتى الصغيرة.. فهذا النشاط، سواء كانت حصة الشركة صغيرة أو كبيرة، يحقق مردودية عالية.

يقول الرأي إن التحليل المنجز في إطار هذا الرأي يبين أنه باستثناء تحرير أسعار البيع، تواصل هذه الأسواق سيرها بنفس المخطط الإداري للتقنين وبنفس الإطار القانوني والتنظيمي، ونفس الفاعلين، وتقريبا نفس الصيغة في تحديد أسعار البيع ونفس المساطر وغيرها. ولعل التفسير المثير الذي يقدمه دركي الاقتصادي في هذا الإطار هو أن هذا الوضع القائم يرتبط بمستوى المردودية المالية المرتفع للغاية الذي يمكن أن يحققه هذا النشاط، والذي لا يشجع الفاعلين على التنافس بواسطة الأسعار في هذه الأسواق، طالما أن النتائج الإيجابية المتعلق بحسابتهم المالية تظل مضمونة أو شبه مضمونة، بصرف النظر عن الظرفية أو عدد الفاعلين. هذه الوضعية تفسر، إلى حد كبير، غياب خروج أي من الفاعلين من هذه الأسواق طوال العشر سنوات الماضية.

وتأكدت هذه الملاحظات ببروز عنصرين: أولا، استقرار حصص السوق مع تغييرات طفيفة خلال الفترات المدروسة. ثانيا، السلوكيات السلبية للفاعلين الذين قاموا بإبطال أية منافسة على أسعار البيع. وفضلا عن ذلك، وفي الوقت الذي انخفضت فيه الأسعار عالميا سنة 2020 وفي النصف الأول من سنة 2021 لوحظ أن هؤلاء الفاعلين فضلوا مضاعفة هوامش ربحهم بدلا من السعي إلى الزيادة في حصصهم السوقية، عن طريق تطبيق تخفيضات هامة في أسعار البيع. ومن تم، يمكن استخلاص أن المنافسة على أسعار البيع في هذه الأسواق كانت شبه غائبة أو تم إبطالها.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي