إذا كان مشكل غياب المنافسة مطروحا بقوة في سوق المحروقات بالمغرب، في ظل وجود فاعلين يتحكمون في الاستيراد والتوزيع، فإن المساطر المعتمدة للحصول على التراخيص تطرح بدورها مشكلا حقيقيا يسائل الحكومة، بسبب إمكانية استعمالها من أجل تقوية بعض الفاعلين عبر فرملة دخول شركات جديدة من أجل المنافسة في هذا القطاع الذي بات يدر على المستثمرين فيه أرباحا كبيرة بعد قرار التحرير الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2015.
هذه النقطة المتعلقة بالتراخيص توقف عندها رأي مجلس المنافسة بشكل مفصل. ذلك أن أحد الشروط الواجب استيفاؤها للحصول على رخصة الاستيراد، وفقا للنصوص التنظيمية الجاري بها العمل، تتمثل في التوفر على القدرات التقنية والمالية الكافية. لكن المثير، وفق تقرير المجلس، هو أن كيفيات تطبيق هذا المعيار إلى الدقة والوضوح، حيث تحتفـظ الوزارة المعنية بسلطة تقديرية في البت في الطلبات وتقييمها. وفي الواقع، لا تحدد النصوص التنظيمية بدقة الشروط التقنية والمالية التي يتعين على المستثمرين الجدد استيفاؤها للحصول على الرخصة، وهـو ما يمنح الوزارة سلطة تقديرية واسعة في تحديد نطاق هذه الشروط.
ومن تم، قد تفضي عناصر الغموض سالفة الذكر إلى شخصنة عمليات معالجة الطلبات، حسب كل حالة على حدة، وهـو ما قد يفضي إلى حالات من انعدام الشفافية، حيث لن يتم تطبيق القواعد بنفس الطريقة إزاء طالبي. وعلاقة بهذه النقطة، يظهر أنه من الصعب الالتزام باستيفاء شرط التوفر على حد أدنى من محطات الخدمة، يصل إلى 30 محطة، دفعة واحدة وبمجرد الانخراط في النشاط، قصد ولوج هذه السوق، حيث يستلزم ذلـك تعبئة عدد من الوسائل المالية الهامة من قبل المستثمرين الجدد، والذي ليس في متناول المستثمرين الصغار والمتوسطين. ويتزايد حجم هذا العبء المالي أكثر حين يقترن بالاستثمار الواجب إنجازه بهدف تشييد وحدة تخزين تبلغ سعتها الدنيا، وفقا لما تقتضيه النصوص التنظيمية، 2000 متر مكعب.
أساليب ملتوية
على سبيل التوضيح، تشير التقديرات، التي وفرها أحد الفاعلين في السوق، إلى أم متوسط تكلفة إحداث درج تخزين تقدر بحوالي 4000 درهم للمتر المكعب، أي أن تشييد بنية تحتية تخزينية تبلغ سعتها الدنيا 2000 متر مكعب يتطلـب تعبئة، منذ البداية، استثمارا يصل إلى 8 مليون درهم، دون احتساب سعر الوعاء العقاري الذي ازدادت ندرته، وارتفعت، بالتالي، تكلفته.
وينضاف إلى ذلك، بالضرورة وعلى الخصوص، جميع الوسائل المالية اللازمة لملء صهاريج التخزين وتدبير المخزون. وعلى ضوء التقلبات العالمية الحالية للأسعار على الصعيد الدولي، سيشكل التوفر على مخزون هام امتيازا في حالة تصاعـد الأسعار، ويجسد مصدر قلق شديد في حالة انخفاضها، بحيث سيتسـبب فـي خسارة كبيرة للأموال.
في هذا السياق، يشير التقرير إلى أن الوزارة الوصية أتاحت منـذ 2010 فجوة صغيرة، تمثلت في منح تراخيص مؤقتة لطالبيها الذي يدلون بـ10 عقود للتوزيع، شريطة الالتزام بتوفير العدد المتبقـي من محطات الخدمة، أي20 محطة، خلال فترة تمتد من سنتين إلى أربع سنوات ابتداءا من تاريخ توقيع الرخصة المؤقتة للتكفل بالتكرير حتى يتسنى نيل الرخصة النهائية.
من حيث المبدأ، أبدى المجلس تفهمه لرغبة الوزارة في تشجيع الاستثمار في هذا الفرع. غير أنه يتساءل حول جدوى الاستمرار في العمل بتدبير لا يستند إلى أي أساس قانوني يحدد بوضوح الشروط الضرورية الواجب استيفاؤها، في حين أنه يمكن إصدار قرار وزاري بسيط يوضح الشـروط الواجب اسـتيفاؤها، ويمكنه أن يحل محل القرار الـوزاري القديم المحدد لهذه المقتضيات.
ويثير غياب الشفافية، الذي تم رصده في هذه المقاربة، حسب المجلس، إشكالية تنافسية مزدوجة. أولا، لا تساهم هذه المقاربة في إمداد المستثمرين، الراغبين في الولوج إلى هذه السوق، برؤية واضحة عنها، مما قد ينطوي على خطر ثنيهم عن الاستثمار. ثانيا، قد تتسبب في وضعيات معاملة تمييزية وتفاضلية، من شأنها التأثير على قواعد المنافسة النزيهة.
وتقتضي المسطرة المعمول بها منح الترخيص للفاعلين، بصفتهم موردين أو موزعين، على مرحلتين. أولا يتعين عليهم التوفر على رخصة بناء مسلمة من الجماعة. وثانيا، يجب عليهم الحصول على الترخيص من قبل الوزارة المكلفة بالطاقة. في هذا الصدد، يرى المجلس أنه من غير الملائم تطبيق هذا الإجراء العملي لسببين على الأقل.
أولا، يصطدم المستثمر بمسطرتين مستقلتين تستنفد منه الكثير من الوقت، وتتسبب، بالتالي، في تأخير إصدار قرار الترخيص بإنجاز الاستثمار. ثانيا، قد يستغرق حصول المستثمر نفسه على رخصة البناء من الجماعة وقتا، وحين يقوم بإيداع طلب الترخيص بإحداث محطة الخدمة لدى الوزارة، ترفض هذه الأخيرة منحه إياه.
البيع خارج المحطات
ليست التراخيص وحدها المشكل المطروح في علاقة الإدارة بالشركات، بل أيضا ما يرتبط بالعقوبات التي يتم فرضها عندما يتم تسجيل بعض الخروقات أو السلوكات المنافية للمنافسة، والتي تضر بباقي الفاعلين. فمن بين هذه الخروقات التي يمكن تسجيلها، هناك عمليات البيع التي تتم خارج القنوات القانونية للتوزيع والبيع المباشر للمستهلكين، وهو ما يحل على ممارسات سبق أن تم ضبطها ومعالجتها سواء بين الإدار والشركات، أو حتى من خلال الإجراءات القضائية.
ويفيد رأي المجلس بأنه يعاقب على تسليم المحروقات من طرف مورد أو موزع لأشخاص آخرين من غير الموزعين المرخصين لهم بغرامة مالية. وعلاقة بهذه النقطة، يرى المجلس بأن هذا المقتضى يثير مؤاخذات ذات شقين. أولا، لا تعتبر الغرامة المالية الجزافية القصوى، المحددة فـي 50 ألف درهم، بمثابة خطوة ردعية، أخذا بعين الاعتبار مستويات أرقام المعاملات المنجزة من قبل الفاعلين في السوق.
ثانيا، تتعارض الغرامة المالية، المحددة وفقا للقيمة المطلقة وليس بالنسبة المئوية، مع مبدأ التناسب، بل قد تعتبر بمثابة إجراء تمييزي وتفضي إلى التعاطي، بنفس الطريقة وبدون تمييز، مع المخالفات الأخرى. ومن تم، تطبق نفس الغرامة بدون تمييز على جميع المخالفات بشأن أحجام مختلفة كليا.
على سبيل المثال، يمكن تصنيف شركة، قامت ببيع حجم يقدر بألف طن، ضمن نفس العلامة التجارية والتعامل معها بنفس الطريقة التي يتم التعاطي بها مع شركة قامت ببيع حجم يقدر بمائة طن، بينما تتفاوت كليا المكاسب التي يمكن جنيها من عمليات البيع. فمن وجهة نظر تنافسية، تجسد المقاربة المعتمدة ميزة تنافسية غير مشروعة إزاء الشركة الأولى، في حين تلحق ضررا بمصالـح الشركة الثانية.
هذا الوضع يطرح سؤالا عريضا على الحكومة من أجل التدخل الحاسم لضبط الجانب القانوني على الأقل. فعلى مستوى التراخيص، بات من الضروري أن يتحرك الفاعلين الحكومي من أجل وضع معايير شفافة وواضحة تنهي منطق الشخصنة والتقديرات الفردية للإدارة. ومن جانب آخر، من الضروري أن ترتبط الغرامات المطبقة على الشركات بحجم رقم المعاملات حتى تتسم بنوع من الردع ولا تتحول إلى مجرد أداة بدون وقع ردعي حقيقي.
تعليقات ( 0 )