شركات تعلن إفلاسها بعد صرف مبالغ الأشطر مرتفعة الكلفة
مبلغ غير مسبوق خصصته حكومة عزيز أخنوش في إطار قانون المالية 2021، للاستثمارات العمومية التي سيتم إنجازها من طرف مختلف القطاعات الحكومة والمؤسسات والمقاولات العمومية. هذا المبلغ الذي يصل إلى 245 مليار درهم، سيتم إنجازه من طرف القطاع الخاص عبر مختلف الصفقات العمومية التي سيتم إطلاقها في مختلف المجالات.
يعد الاستثمار العمومي محركا أساسيا لمعاملات القطاع الخاص، لاسيما في بعض القطاعات التي تخصص لها اعتمادات مهمة من قبيل التعليم والصحة والتجهيز وغيرها. وإذا كان تنفيذ الدولة لاستثماراتها يمر أساسا عبر آلية الصفقات العمومية، فإن عملية تنفيذها تطرح مجموعة من الإشكالات والاختلالات التي يصل بعضها إلى القضاء، في ظل الشكايات التي تتقدم بها بعض المقاولات في مواجهة غياب مبادئ وروح المنافسة الشريفة.
هذه الاختلالات قد لا يكون مصدرها الإدارة بشكل مباشر. ذلك أن عددا من المقاولات تتواطؤ بدورها من أجل نيل حصتها من “الكعكة”، لكن المقابل قد يكون مكلفا للدولة وعلى حساب جودة الخدمة. ذلك أن بعض المقاولات تلجأ لممارسات مختلفة بهدف واحد هو نيل الصفقة، حتى دون أن تكون لها القدرة على الوفاء بالتزاماتها سواء من حيث الخدمات المقدمة أو جودة التوريدات والأشغال التي تتولى تنفيذها.
في لقاء مع أحد الوزراء السابقين، تم توجيه انتقادات لبعض المقاولات التي تلجأ لتقنيات مختلفة قصد نيل الصفقة. ومن هذه الوسائل التي تحدث عنها الوزير هي تقديم عروض أثمان منخفضة، قبل أن تلجأ المقاولة النائلة للصفقة، بعد أن تتقدم الأشغال، إلى مراسلة القطاع المعني لتعلن بأن تكاليف الإنجاز مرتفعة، فيضطر الأخير للبحث عن سبل معالجة الأمر
غير أن الغوص في خبايا الصفقات، والاستماع إلى تجارب بعض المقاولين سيكشف عن آليات أخرى يتم اعتمادها لتوجيه الصفقات. سنأخذ هنا مثالا عما يمكن أن يقع داخل لجنة تقنية في إحدى الجماعات. هذه اللجنة يمكن أن تلجأ إلى إقصاء شركة معينة، دون الاعتماد على معايير واضحة ومضبوطة، في حين يمكن لصاحب مقاولة معينة أن يفوز بالصفقة رغم أن السعر الذي قدمه يساوي السعر المقترح في إعلان طلب العروض، ودون أن يقدم أي عرض أفضل من الناحية الاقتصادية وفق ما ينص عليه المرسوم.
على مستوى الأشغال الخاصة بالطرق، يأخذ التلاعب بالأسعار أشكالا مختلف، حيث يتم مثلا رفع الأسعار المقترحة بالنسبة للهدم وإفراغ الطريق من الأتربة والأحجار، في حين تعمد المقاولة إلى خفض الأسعار المقترحة بالنسبة للأشغال الخاصة بالتكسية. والملاحظ هو أن بعض المقاولات يمكن أن توقف المشروع بداعي “الإفلاس”، فتحصل على تكاليف إنجاز الأشطر مرتفعة التكلفة.
حتى على مستوى المواد المخصصة لإنجاز طريق معين، فهناك من يعمد إلى استعمال مواد لا تحترم بنود دفتر التحملات، مستغلا بذلك تغاضي المسؤولين وضعف المراقبة. في النهاية يتسلم صاحب المشروع هذه الطريق التي تبرز عيوبها بعد فترة معينة، ليضطر من جديد إلى برمجة نفقات إصلاحها.
إصلاح قد يتم إنجازه، لكن التلاعب في صفقات قطاع حساس مثل التربية الوطنية يؤدي إلى إهدار حقوق أجيال بكاملها. فالمعطيات الخاصة بإنجاز مشاريع البرنامج الاستعجالي تكشف هدر ملايير الدراهم في مشاريع بعضها يبقى “وهميا”، ومنها مؤسسات تعليمية غير موجودة رغم أن المقاولات التي تعاقدت معها بعض الأكاديميات تسلمت الميزانيات الخاصة بها.
التسريبات التي حصلت خلال السنوات التي أعقبت تنفيذ هذا البرنامج تؤكد أن هناك مدارس وهمية تم تسلمها على الأوراق فقط. أكثر من ذلك فهناك مساكن إدارية غير موجودة، وتم التلاعب بوثائق تسلم المفاتيح الخاصة بها، ناهيك عن التلاعبات الخاصة ببعض البقع الأرضية وتحويل أماكن إنشاء مؤسسات تعليمية، بل ودمج بعضها ببعض.
تقع كل هذه الاختلالات في ظل وجود تواطؤ بين بعض المقاولات وأطراف داخل الإدارة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى اختلالات كبيرة في إنجاز الصفقات العمومية، وبالتالي إهدار المال العام واللجوء إلى إطلاق صفقات جديدة من أجل القيام بأشغال أو توريدات للتغطية على فضائح الصفقات الأولى.
أما المقاولات المتضررة فأغلبها لا يلجأ إلى تقديم شكايات أو الترافع أمام القضاء ضد الإدارة. يقول أحد المقاولين في حديث مع “ميديا 90”: “اللجوء إلى القضاء قد يمنحك الحق، مع ضرورة انتظار التنفيذ، لكنك “غادي تحرق” مع الإدارة المعنية وربما مع مؤسسات أخرى وقد تجد نفسك مقصيا بطرق مختلفة وملتوية”.
ويتابع المصدر ذاته بأن تدبير الصفقات العمومية يحتاج دائما إلى تطوير الجانب القانوني من أجل تدارك النقائص والاختلالات التي قد تسجل خلال الممارسة، وأيضا تطوير الجانب المتعلق بالمراقبة من خلال تعزيز عمل مختلف الآليات المستقلة للمراقبة، حيث يشدد على أن جودة تنفيذ الصفقات العمومية تؤثر بشكل مباشر على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
تعليقات ( 0 )