650 مليار من الإعفاءات تبخرت في 2021 دون نتائج

المنعشون العقاريون.. مخاض “فِطام” عسير لإنهاء فوضى دعم الدولة

 

بعد عقود من الدعم الذي استفادت منه شركات العقار، تقود الحكومة هذه الأيام معركة حاسمة من أجل إنهاء فوضى الاستثناءات الضريبية والدعم المالي المباشر والأراضي التي توزع بأبخس الأسعار على لوبيات خبرت جيدا من أين تؤكل الكتف، وسوقت للدولة مشاريع عقارية تحولت إلى فضائح تشوه صورة عدد من مدن المملكة، وتطرح أكثر من سؤال عن جدوى الدعم في غياب أي تقييم حقيقي لآثاره الاجتماعية والاقتصادية.

في كواليس الاجتماعات التي يعقدها لوبي العقار مع الحكومة، يخوض المنعشون معركة الساعات الأخيرة من أجل ضمان عدد المساس بمكتسباتهم..هذه المعركة لن تنتهي في الاجتماعات التي تعقد مع الحكومة، بل ينتظر أن تنتقل على غرار السنوات المقبلة إلى المؤسسة التشريعية في لحظة تقديم التعديلات على مشروع قانون المالية، حيث يبقى لوبي العقار من أقوى أوجه الضغط التي تشهدها التعديلات المقدمة من طرف الفرق البرلمانية، لاعتبارات منها أن عددا من البرلمانيين هم في الآن ذاته منعشون عقاريون يستفيدون من ريع الدولة.

اليوم تتحرك الحكومة لوقف الدعم دون أن تقييم لنتائج برامج سابقة، ودون دراسة دقيقة لآثار هذا القرار على الولوج إلى السكن الاقتصادي مؤخرا، لاسيما وأن السؤال الأبرز يبقى مرتبطا بالفئة التي ستستفيد من هذا الدعم المباشر، خاصة وأن التوجه سيقضي في الغالب الأعم بدعم الفئات الفقيرة، مقابل غياب أي برامج خاصة بالطبقة المتوسطة بعدما فشل المقتضيات التي حملها مشروع قانون المالية 2022، والذي سعى إلى إقرار برنامج شقق بسعر 6000 درهم للمتر المربع، في تحقيق أهدافه على اعتبار أن السعر المتوسط كان يصل في تلك المرحلة إلى حوالي 7200 درهم.

دعم مباشر؟

حسب مصادر خبيرة، تحدثت إليها “ميديا 90″، فإن وقف الدعم سيكون له أثر مباشر على الأسعار حيث ينتظر أن يرتفع مثلا سعر شقة السكن الاقتصادي من فئة 250 ألف درهم إلى 300 ألف درهم على الأقل، وهو ما يعني أن أرباح المنعشين العقاريين لن تتضرر، بل إنها سترتفع على اعتبار أن سعر هذه الفئة من الشقق السكنية سيتحرر بشكل أوتوماتيكي، ويخضع بالتالي لمنافسة ليست دائمة شريفة.

وضع يسائل بقوة حجم الدعم المباشر الذي ستخصصه الحكومة للمغاربة الذين سيتم استهدافهم. ذلك أن دعم السكن الاجتماعي يتم عبر إعفاء المنعشين العقارين من الضريبة شريطة أن تكون هذه المساكن الاجتماعية المعدة للسكن تتراوح مساحتها المغطاة ما بين 50 و80 متر مكعب، ولا يتعدى ثمن بيعها 250 ألف درهم دون احتساب الضريبة على القيمة المضافة. وبالنظر إلى أن الأسعار قد ترتفع بأزيد من 50 ألف درهم، فإن الحكومة ستكون مطالبة بتعويض هذا الفارق.

اليوم، وبعد 22 سنة من إطلاق برامج السكن الاقتصادي والاجتماعي الهادفة إلى محاربة دور الصفيح والسكن غير اللائق، لا تبدو النتائج مشجعة. فمن جهة، لازال المغرب في حاجة إلى 171 ألف وحدة سكنية في السنة إلى غاية سنة 2030، لكن المفارقة الكبيرة هو أن عددا من الشركات لازالت تتوفر على مخزون كبير جدا بسبب تراجع الإقبال، وخير مثال على ذلك هو الذراع العقاري للدولة “العمران”. هذا المخزون المتراكم تصل قيمته الخام إلى 18 مليار درهم، ويشمل عبئا ثقيلا على الشركة ليس فقط من حيث توازناتها المالية لكن أيضا من حيث تدبير مختلف البرامج والمشاريع.

مشكل آخر يطرح في توجه الحكومة لتخصيص دعم مباشر للولوج إلى السكن، يرتبط أساسا بالفئات التي ظلت تستفيد من شقق السكن الاقتصادي. فالملاحظ أن هذا السكن لم يكن موجها فقط للفئات الفقيرة، بل استفادت منها أيضا الطبقات المتوسطة وحتى الطبقات الغنية الدنيا في بعض المشاريع السكنية الثانوية في مناطق ساحلية، الأمر يطرح اليوم تحديا كبيرا على مستوى مستقبل السكن الاقتصادي والاجتماعي، وجدوى الاستمرار في تشييد مشاريع تتحول مع مرور الزمن إلى مخزون متراكم وغير قابل للتسويق.

إعفاءات واسعة

يتصدر العقار أكثر القطاعات استنزافا لمليارات الدراهم من الإعفاءات منذ سنين، مستفيدين من برامج تم تنزيلها بهدف منح المغاربة سكنا لائقا، قبل أن تتحول إلى فضائح في مختلف مدن المملكة، بعدما أصبح حلم السكن مجرد كابوس وسط صناديق إسمنتية. ففي سنة 2021 بلغت الإعفاءات الجبائية حوالي 29 مليار و500 مليون درهم. وقد استأثر القطاع العقاري بحصة الأسد، بما مجموعه 6 مليار و546 مليون درهم، وهو ما يمثل 22% من مجموع هذه الإعفاءات. في المقابل، يبدو هذا القطاع عصيا على التطويع سواء من حيث جودة المنتوج العقاري، أو من حيث الأسعار التي تصل مستويات قياسية في عدد من المدن، عندما يتعلق الأمر بالسكن المتوسط أو الموجه للفئات الميسورة.

أما في ردهات المحاكم، فهناك المئات من القضايا التي يتابع فيها منعشون عقاريون..بعضهم بتهم النصب والاحتيال على الزبناء، من خلال قبض الملايير دون تسليم العقارات المتعاقد بشأنها، وأخرى تتعلق بجودة البناءات، وحوادث خطيرة أودت بحياة مجموعة من الضحايا..كما وقع في القنيطرة وغيرها.

سخاء الدولة في التعامل مع المنعشين العقاريين، مكن هذا اللوبي من مراكمة أرباح كبيرة في قطاع جعلته الدولة ضمن أولوياتها من أجل توفير سكن لائق لعموم المغاربة، ولاسيما بالنسبة للفئات التي كانت تقطن في دور الصفيح أو السكن الآيل للسقوط..حتى إن هذا اللوبي استطاع أن يتحول إلى قوة ضغط تتدخل عبر الأذرع البرلمانية من أجل إخراج قوانين على المقاس، من خلال تعديلات آخر لحظة.

تتنوع طبيعة الإعفاءات بين تلك المرتبطة بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، والإعفاءات المتصلة بواجبات التسجيل والتمبر، فضلا عن الاستفادة من عقارات الدولة بمختلف أشكالا بأسعار لا تعكس تلك الأسعار الحقيقية في السوق. في المحصلة، نجد أن هذا القطاع يوجد على رأس أكثر القطاعات المستفيدة من الإعفاءات الجبائية في سنة 2021.

خلال السنة الماضية، وعلى غرار سابقاتها، استفاد مثلا المنعشون العقاريون من إعفاء كلي فيما يخص العقود والأنشطة والدخول المتعلقة بإنجاز برنامج، في إطار اتفاقية مبرمة مع الدولة تكون مشفوعة بدفتر للتحملات، لبناء 200 سكن بالوسط الحضري أو 50 سكن بالوسط القروي، موزع على فترة أقصاها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ تسليم أول رخصة للبناء. ويهم هذا الإعفاء المساكن ذات القيمة العقارية المخفضة التي لا تتجاوز المساحة المغطاة لكل وحدة منها 50 إلى 60 متر مربع ولا يزيد مجموع قيمتها العقارية على 140 ألف درهم باحتساب الضريبة على القيمة المضافة.

أرباح مغرية
كم يجني المنعشون العقاريون في مختلف المشاريع التي يشيدونها؟ سؤال يطرح نفسه بقوة، إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الإعفاءات الضريبية وانخفاض كلفة البقع الأرضية التي تشيد فوقها الشقق سكنية، وأيضا الجودة المنخفضة للبناءات، والتي تتحول في بعض المشاريع في فضائح حقيقية، لاسيما في فصل الشتاء.

بالنسبة للمنعشين العقاريين، فإن الأرباح تظل جد محدودة..لكن بالعودة إلى بعض التقارير، فإننا نجد بأن هذا اللوبي راكم أرباح طائلة، لاسيما خلال السنوات الأولى التي تم فيها إطلاق برامج محاربة السكن غير اللائق، والتي شكلت كعكة تسيل لعاب المنعشين العقاريين، بدليل عدم اهتمام كثير منهم بالسكن الموجه للطبقة المتوسطة.

في بعض التقارير التي صدرت إلى حدود سنة 2014، نجد هامش الربح الذي كان يحققه المنعشون العقاريون في السكن الاجتماعي، خلال هذه المرحلة، كان يفوق بكثير ما يحققه المنعشون العقاريون في دول حوض البحر الأبيض المتوسط بنسبة تتراوح ما بين 300 و500 في المئة، أي من ثلاثة إلى خمسة أضعاف دفعة واحدة.

مجلس المنافسة سبق أن أنجز دراسة سنة 2014. وقد خلصت الدراسة إلى أن التكلفة الكلية لوحدة سكنية تصل إلى حوالي 205000 للوحدة التي تباع بثمن 250000 درهم أي بهامش ربح بمعدل 26 في المئة دون احتساب رسم الضريبة على القيمة المضافة. وإذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن الدولة تقوم بإرجاع هذه الضريبة وأدائها للمنعشين العقاريين، فإن نسبة هامش الربح على المسكن الواحد تقفز إلى 31 في المئة.

وإذا كان المنعشون العقاريون ينازعون في عدد من الأرقام التي تشير إلى الأرباح الكبيرة التي يراكمونها، فإن المؤكد هو أن هذه الفئة استطاعت خلال سنوات عديدة من أن تنتزع امتيازات كبيرة مستغلة رغبة الدولة في تحسين ظروف عيش المغاربة..رغم أن النتيجة لم تكن في المستوى المأمول، لاسيما وأن جودة البناءات ومساحتها وموقعها والمرافق المتوفرة في محيطها، تطرح اليوم تحديا حقيقيا على السلطات الحكومية.

هذا دون أن نغفل الجانب “الأخلاقي”، وكيف تحولت عدد من المشاريع إلى سراب بعدما “اختفى” الواقفون وراءها عن الأنظار، وحولوا امتلاك السكن إلى كابوس حقيقي..وهنا يمكن سرد وقائع احتجاج المغاربة المقيمين بالخارج في معارض العقار، فضلا عن الشكايات التي توجه إلى القضاء في ملفات خيانة الأمانة التي يتورط فيها بعض المنعشين العقاريين، أو من ينتحلون صفتهم عبر ظاهرة الوداديات السكنية.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي