تفاصيل سقوط عصابة “السمايرية” التي أغرقت المغرب بالمأذونيات

 

من حالات فردية رأت في اعتراض، ولقاء الملك، فرصة للخروج من  وضع اجتماعي حرج عبر وظيفة أو مأذونية نقل  إلى شبكات إجرامية محترفة .

شبكات وجدت في “لكريمات” دجاجة  تبيض ذهبا لتبسط نفوذها ، وتتغلغل في عدد من المصالح المدنية والعسكرية والأمنية، وتنجح في نسج شبكة علاقات مكنتها من معلومات حول تحركات الملك، وكذا المأذونيات التي تمت الموافقة عليها وتاريخ إصدارها، قبل أن ينكشف المستور ليزج بالعشرات من عناصر الشبكة في سجن الزاكي، أبرزهم كان  المدعو “زاميبا” الذي يعد عراب ل”كريمات” وزعيم أكبر عصابة للسمايرية بالمغرب.

هروب ماكر

بعضهم اعتقل أو تعرض للتحقيق لساعات مع الإهانة والضرب، وآخرون وجدوا طريقا للسجن أو أصيبوا بحوادث، لكن معظم هؤلاء كانوا يؤمنون أن لقاء الملك لا يتم بالتمني، وأن اكتساب صفة “سمايري” تتطلب منهم الصبر لأسابيع أو شهور، مع فتح الباب أمام جميع الاحتمالات السيئة، وتكرار المحاولة وحسن اختيار اللحظة المناسبة لأن الوقت يكون قصيرا للغاية والفرصة لا تتكرر.

المطالب التي رفعتها  النقابات قبل يومين لوزارة الداخلية لسحب المأذونيات من الميسورين، أعادت للواجهة حكاية “السمايرية” التي انطلقت فصولها الأولى في تسعينيات القرن الماضي وبالضبط من الطريق المحاذي لمقر الإقامة الملكية بسلا، والذي كان محجا للعشرات ممن جربوا على امتداد أسابيع طويلة الترصد للملك حين كان وليا للعهد طمعا في عطفه.

معظم هؤلاء تمكنوا بالفعل من تسليم بطائقهم الوطنية ليعبدوا الطريق نحو الحصول على وظيفة أو مأذونيات نقل أو هما معا، لكن وبعد أن انتشر الخبر تكاثر العدد بشكل فرض على المصالح الأمنية القيام بعمليات تمشيط مع كل تحرك من أجل مطاردة هؤلاء، والتثبت من هوية كل شخص يقف في جانب طريق بالقرب من مقر الإقامة،مع مطالبته ببسط أسباب تواجده بالمكان بعد تعزيز الحراسة على الطرق الفرعية.

تشديد الخناق الأمني على “السمايرية” الذين كانوا يعملون بمنطق الهواية ويتحملون الانتظار لأيام، جعل بعضهم يلجأ للحلية من أجل المناورة والتخلص من رقابة الأمن حيث  فضل أحدهم استعارة كرسي متحرك من جاره المعاق، وتربص لأيام بجانب مقهى شهير بسلا يقع بمحاذاة الطريق المؤدي الإقامة الملكية، إلى حين لاحت له سيارة الملك ليلوح له، لكن السيارة المقصودة لم تتوقف، ونابت عنها سيارة أخرى كانت تحمل الحراس الخاصين، ما جعله وتحت وطأة الخوف من انكشاف أمره يتخلى عن كرسيه المتحرك ويطلق ساقيه للريح.

هذه الحكاية الطريفة التي لازال عدد من قدامى “السمايرية” يتداولونها مع قصص أخرى لمن ابتسم لهم الحظ قبل أن يسحب ابتسامته، ليدرج اسمهم للأبد في قائمة حاملي الرسائل الملكية الذين لم ينالوا شيئا، إما لأن “زهرهم عوج” ، أو لأن أياد أخرى تتقن رياضة الأصابع قد سطت على ما كان مسخرا لهم، وغيرت مساره إلى وجهة أخرى.

كل هذه الحكايات العفوية لمن جربوا لعبة القط والفأر مع الأمن،والوقوف في التقاطعات والإشارات الضوئية وغيرها من الحالات التي  كان محركها الأساس قلة ذات اليد والبؤس الاجتماعي، اختفت وراء حكاية مثيرة لسمايرية من نوع خاص، انكشف أمرهم بعد أن أصدر الملك تعليمات بفتح تحقيق في التلاعب بالهبات، لتتفجر فضيحة من العيار الثقيل.

 زامبيا وعائدات بمئات الملايين

هذه الشبكة التي كان زعيمها ملقبا ب “زامبيا”،تمكنت ولسنوات وفق ما كشفته التحقيقات من سحب البساط من “السمايرية” الهواة ممن يصطادون بصنارة واحدة، وأغرقت عددا من المدن  الصغيرة بعشرات المأذونيات بعد أن تم تزوير مضمون شكايات ذات طابع اجتماعي، والاطلاع على تفاصيل تحركات الملك ليتم تسليم مئات البطائق الوطنية التي فرخت مأذونيات عادت على عناصر الشبكة بمئات الملايين.

وكشفت محاكمة المتورطين في هذا الملف عددا من الحقائق الخطيرة بعد أن اتضح استفادة عائلة أحد المتهمين من 12 مأذونية إحداها سجلت في اسم طفل كان يبلغ من العمر سنتين فقط ما يعني انه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب.

كما اعترف  أحد المتهمين بعلاقته بعدد من المسؤولين، من بينهم مسؤول عن طلبات رخص استغلال سيارات الأجرة بوزارة الداخلية، والذي كان يزوده بالمعلومات المتعلقة بالبحث الذي تجريه العمالات والأقاليم حول رخص استغلال سيارات الأجرة مقابل 10000 درهم عن كل رخصة يتوصل بها أصحاب الطلبات.

 معلومات عن تحركات الملك

كما وقفت تحقيقات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية  على اتجار أحد المتابعين في مأذونيات النقل المخصصة للمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتزوير الطلبات وشرائه لثلاث رخص لسيارات الأجرة الصغيرة بمدينة العرائش من قائد بالقوات المسلحة الملكية،  قبل أن يفجر فضيحة وجود شبكة منظمة  تتربص بالتحركات الملكية، وهو ما جعل المتابعة تطال  28 متهما ينحدرون من مدن الرباط وسلا و فاس ومكناس و العرائش و طنجة، من بينهم قائد سابق وستة من رجال الأمن وثلاثة موظفين بوزارة الداخلية وثلاثة أعوان سلطة وتاجر، ومدير شركة بتهم “تكوين عصابة إجرامية متخصصة في النصب والاحتيال وتزوير وثائق رسمية وإدارية واستعمالها وانتحال هويات والارتشاء و الإرشاء واستغلال النفوذ وإفشاء السر المهني وعدم التبليغ والمشاركة”.

وكانت الأحكام الصادرة في هذا الملف قد تراوحت ما بين 5 سنوات و6 أشهر سجنا نافذا، مع غرامات مالية ما بين 30 ألف و5000 درهم في حين برأت الهيئة ستة متهمين من بينهم قائد مقاطعة وضابط شرطة.

كما أدانت المحكمة العسكرية بالرباط تسعة عسكريين و دركيين توبعوا ضمن نفس الشبكة وتراوحت الأحكام الصادرة في حقهم ما بين 8 و3 سنوات حيث اتضح أن بعض العناصر كانت تستغل المعطيات المرتبطة بالتحركات الملكية وتقدمها لعناصر الشبكة لتسهل مهمة اعتراض الموكب من طرف “سمايرية” محترفين ما جعل المحكمة العسكرية تتابعهم بتهمة “تكوين عصابة إجرامية من أجل النصب والاحتيال، وإفشاء أسرار مهنية والارتشاء واستغلال النفوذ ومخالفة ضوابط عسكرية”.

فضائح “الكريمات” تتواصل

ورغم طي صفحة شبكة زامبيا الذي توفي لاحقا بفيروس “كورونا” إلا أن هذا لم يمنع تفريخ شبكات أخرى من السمايرية المنظمين كما جرى بمدينة الرباط بعد إدانة عشرة أشخاص من بينهم رجل أمن وموظفة بأحكام تراوحت بين ستة أشهر وثلاث سنوات حبسا نافذا، بعد قيامهم بعرقلة السير خلال تربصهم بالملك محمد السادس في شوارع مدينة الرباط من أجل الحصول على هبات ملكية.

واعتقل هؤلاء إثر الاشتباه في تحركاتهما المريبة وتعمدهما تعقب الملك في الجولات التي يقوم بها، وبعد التحقيق معهم، تبين استفادة بعضهم من هبات ملكية سابقا، كما وجدت بحوزتهم وثائق تخص أشخاصا آخرين من أجل تمكينهم من الاستفادة.

ورغم انحسار نشاط محترفي السمير ،فإن اللافت آن هذه الظاهرة قد انتقلت بالتدريج من  محاولة الحصول على امتياز من الملك، إلى طلب التدخل لحل مشاكل عالقة، كما وقع في عدة حالات اتضح أن أصحابها فقدوا الثقة في الإدارة أو القضاء أو في المسؤوليين الترابيين والجماعيين وقرروا نقلهم معاناتهم للملك.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي