قطاع الماء.. عدم استقرار الهيكلة الحكومية يفشل التنسيق في تدبير المياه

في سنة 2016، خرج عبد القادر اعمارة الذي كان آنذاك وزيرا مكلفا بقطاع الطاقة والمعادن والماء والبيئة، بتصريح حول رؤيته للعمل إلى جانب وزيرتين منتدبتين (حكيمة الحيطي في قطاع البيئة وشرفات أفيلال في قطاع الماء). آنذاك دافع الوزير على الضرورة التوجه نحو خلق كتابة دولة مكلفة بالماء وأخرى بالبيئة مجتمعتين داخل وزارة برأس واحد، بدل الصيغة المعتمدة في حكومة بنكيران. وأضاف قائلا: “النموذج الذي يستهويني هو الإسباني”.

هذا الموقف الذي دافع عليه اعمارة في عهد حكومة بنكيران سيتحول إلى نقيضه في عهد سعد الدين العثماني. فقد كشفت يوميات تدبير هذا القطاع وعلاقة الوزير بكاتبة الدولة في الماء شرفات أفيلال، التي تم إعفاؤها، وجود أزمة حقيقية وصلت إلى حد الاصطدام، رغم تدخل قيادة حزب التقدم والاشتراكية من أجل وضع حد لما كانت تعتبره ضغوطات يمارسها الوزير القيادي في حزب العدالة والتنمية على كاتبة الدولة التقدمية.

لقد أبانت هذه التجربة عن ضعف تنسيق يصل حد القطيعة بين وزير لديه رؤيته الخاصة للعمل وكاتبة دولة كانت لا تتردد في المطالبة باختصاصاتها كاملة. مطلب كانت تعتبره ضروري في قطاع حيوي واستراتيجي وله علاقة مباشرة بالمواطنين، وهو ما برز بشكل واضح في ظل أزمة المياه التي تفجرت في عدد من المناطق وتحولت إلى احتجاجات ضخمة كما وقع في زاكورة، عندا نزلت أفيلال التي اشتغلت لسنوات كمهندسة داخل المكتب الوطني للماء الصالح للشرب إلى الميدان من أجل إيجاد الحلول والاستماع إلى ما يقترحه المجتمع المدني.

لكن الخلافات التي تفجرت مع اعمارة كانت أكبر من أن يتم حلها من طرف قيادتي الحزبين، في وقت وقف رئيس الحكومة عاجزا أمام لعب دور تحكيمي بين الطرفين. ولذلك، لم يجد العثماني من حل غير اللجوء إلى تخريجة اقتراح حل كتابة الدولة المكلفة بالماء وإعفاء شرفات أفيلال من هذا المناصب، وتحويل هذه الكتابة إلى مديرية تابعة للوزارة.

على الورق، تم في تلك اللحظة تحويل كتابة الدولة المكلفة بالماء إلى مديرية، قبل أن ترتقي بقدرة قادر في عهد حكومة عزيز أخنوش إلى وزارة للتجهيز والماء يقودها الاستقلالي نزار بركة. وبغض النظر عن مدى وجود تصور استراتيجي لهذه الهيكلة، فإن المؤكد هو أن هذا القطاع شهده مدا وجزرا، وعدم استقرار على مستوى بنيته الإدارية والحكومية.

وإلى جانب الإشكال التنظيمي داخل الوزارة، هناك إشكال آخر يرتبط بالتداخل الحاصل بين هذا القطاع من جهة، وقطاعات أخرى للتدخل في مجال الماء، سواء تعلق الأمر بقطاعات الحكومية أو مؤسسات عمومية.  تداخل قد يتحول إلى عائق في التدبير، في ظل إشكالية سوء التنسيق التي تعم مختلف القطاعات الحكومية. وعموما يمكن أن نتحدث عن مزيج مؤسساتي يضم إلى جانب وزارة التجهيز، قطاعات الفلاحة والداخلية والصحة والاقتصاد والمالية والمندوبية السامية للمياه والغابات وغيرها من القطاعات التي لها علاقة ما بتدبير الموارد المائية.

وعلى مستوى المجالس، نتحدث عن المجلس الأعلى للماء والمناخ، والمجلس الوطني والمجالس الجهوية للبيئة واللجان الولائية والإقليمية للماء. كما أن هناك مؤسسات عمومية وخاصة، نذكر منها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي والوكالات المستقبلة لتوزيع الماء والكهرباء والشركات المفوض لها تدبير القطاع.

ويتضح من خلال رأي سبق للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن هناك غياب آلية إجرائية لتنظيم قطاع الماء وتعدد المتدخلين والفاعلين، والتداخل بين صلاحياتهم في بعض الأحيان. فتعدد المتدخلين، يقول المجلس الاقتصادي، أصبح إكراها يقف في وجه الحكامة الجيدة لقطاع الماء سواء على المستوى الوطني أم الجهوي أم المحلي. كما أن هناك إشكالا يتعلق بعدم كفاية استقلالية وكالات الأحواض المائية تجاه قطاع الماء، علما أن هذه الأحواض تمثل يد الوزارة على المستوى الميداني.

وقد خرج المجلس بتوصيات (عندما كان قطاع الماء عبارة عن وزارة منتدبة) يدعو إلى ضرورة دعم الصلاحيات والموارد البشرية والمادية لقطاع الماء في مهمات التخطيط والتتبع والحفاظ والحماية والمراقبة للموارد المائية، مع إدماج أنشطة تعميم خدمة التطهير السائل وتخليص النفايات السائلة من التلوث، من أجل ضمان سد الحاجيات إلى ماء ذي نوعية جيدة لكل الاستعمالات الحالية والمستقبلية.

ودعا المجلس إلى الفصل بين وظائف التخطيط والتنفيذ والتقييم الخاصة بالمشاريع الكبرى للتهيئة المائية، وانتظام وسرعة مسلسل التحيين والمصادقة والنشر والتفعيل الخاصة بالاستراتيجية الوطني والمخططات الوطنية والجهويات في مجالات الماء والتطهير السائل وتنقية المياه المستعملة.

ومن أجل عقلنة استعمال المياه، أوصى المجلس بوضع عدادات مياه على مستوى الحفر لمجموع الاستغلاليات المتوسطة والكبرى ومحاربة استخراج الماء بشكل غير قانوني للري. كما دعا إلى تسريع البرنامج الوطني لاقتصاد الماء في الري، لتحويل السقي بالجاذبية إلى أنظمة مقتصدة في الماء (كالتقطير والرش بالتغطية الكاملة) لبلوغ 80 في المائة من القدر الممكن اقتصاد والمقدر بـ2 مليار متر مكعب سنويا. هذه الدراسة نبهت أيضا إلى العجز عن تطبيق بعض النصوص، كتحديد واحترام الملك العام المائي والملوث المؤدي، وإقامة واحترام مناطق للحد من الأضرار (المناطق التي بلغ فيها مستوى الاستغلال المفرط للمياه الجهوية جدا يعرفها لخطر الموارد المتوفرة.

ومن جانب آخر تثار إشكالية التمويل. فقد قدر المجلس الاقتصاد والاجتماعي قيمة تمويل مختلف المشاريع بما يناهز 20 مليار درهم سنويا، 60 في المائة منه موجهة للماء الشروب والتجهيز و20 في المائة للري و20 في المائة لتعبئة الموارد المائية. وتتراوح كلفة المياه المعبأة ما بين 2 و6 دراهم للمتر المكعب بالنسبة للسدود، وما بين 10 و20 درهم للمتر المكعب الخاص بالتحلية، وأكثر من 5,3 دراهم للمتر المكلف للنقل بين الأحواض. ورغم وجود موارد أخرى من خارج ميزانية الدولة، إلا أن المجلس طرح إمكانيات أوسع للتمويل.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي