واضح أن سؤال الجدوى الذي ظل يلاحق تقارير المجلس الأعلى للحسابات قد انتقل كالعدوى لمجلس المنافسة، كما هو حال عدد من التقارير، والتوصيات والتحذيرات التي تصدرها عدد من المؤسسات الرسمية في بلد أحزابه، ونقاباته، وحكومته في واد، والشعب في واد آخر.
إلى اليوم مرت أكثر من ثلاث سنوات على التقرير الصادم الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والذي كشف فيه أن خمس الشباب المغاربة يعانون من اضطرابات نفسية، و20 في المائة منهم عاطلون عن العمل، كما أن 75 في المائة دون تغطية صحية.
التقرير ذاته نبه إلى “نقص منسوب الثقة ومشاعر الاستياء التي تعم جزءا من هذه الفئة إزاء السياسات والخدمات العمومية، التي لا تراعي انتظاراتهم بالقدر الكافي”، وهي رسالة صريحة كانت موجهة بالأساس للدولة وللفاعل السياسي.
الواقع أن مشاعر الاستياء التي تحدث عنها التقرير ليست محصورة في فئة الشباب فقط.
بل تحولت إلى إحساس جماعي يتقاسمه ملايين المغاربة، بعد أن استهلكنا الكثير من الزمن دون أن نقتنع بضرورة الاستثمار في الإنسان.
ودون أن ننجح في إحداث نسبة معتبرة من التغيير الكفيل بتحسين مناخ العيش، وطرد أجواء القلق التي تغذيها مؤشرات سلبية تتجاوز المربع الاجتماعي، في ضل محدودية الأداء الاقتصادي، وتردي المشهد السياسي وتفاقم الفساد والسخط الشعبي.
هذا رغم أن الظرف الحالي بكل متغيراته السريعة، وتحدياته الداخلية، والإقليمية والدولية، أصبح يفرض علينا وبإلحاح تجاوز مرحلة التشخيص، إلى التسريع بعملية الإصلاح التي نعلم يقينا أنها لن تتم بواسطة عصا سحرية تنقلنا من واقع لآخر.
عملية ستكون مركبة ومعقدة و مؤلمة وقاسية، و متشابكة، وستبقى مؤجلة إلى إشعار آخر إلى حين تغيير القناعات و العقليات السائدة أفقيا وعموديا.
هذا التقرير وضع كغيره في الأرشيف لأننا وبكل بساطة أمام بنية لا تستمع لنبض الشارع، وتعتمد قوالب جاهزة وقديمة للتعامل مع أي تحول، أو تطور، أو تعبير مجتمعي بمنطق تعويم الاعطاب، والالتفاف عليها لربح وقت صار ينفذ سريعا بنفس سرعة الردة التي نعاينها على أكثر من مستوى .
في مقابل ذلك نتابع انسحابا تاما، ومخزيا، للأحزاب والنخب السياسية المنتشية بالمناصب، والتدافع حول الامتيازات والقرب من السلطة، بعد أن وضعت جانبا تباكيها على تجريف المشهد السياسي، و فظلت أن تحجز لها مكانا على طاولة “غنيمة” تطبخ على نار هادئة في كل موسم انتخابي.
بعد كل هذا متى يعلنون وفاة السياسة بالمغرب…؟ ومن سيبكى عليها ومن سيحزن؟ وفي أي مقبرة ستدفن…….؟ كما قال نزار قباني في قصيدته .
تعليقات ( 0 )