قبل أن ننسى حمير بنكيران، و “الذيب الشارف” للطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، حجز النعمة ميارة رئيس مجلس المستشارين مكانا له ضمن قاموس الحيوانات السياسي بعد أن شبه بشكل ضمني معارضي خليهن ولد الرشيد ب”الحمير”.
ميارة الذي كل رصيده السياسي هو العائلة التي ينتمي إليها، والتي جعلته يركب الموجة ليصبح الرجل الرابع في هرم السلطة بالبلاد، بعد أن كان مجرد نكرة في عالم السياسة، أعطى دليلا فاضحا على أزمة النخب التي نبه إليها ملك البلاد في وقت سابق حين شدد على ضرورة تجديد النخب..
أسباب النزول هي التصريحات التي أدلى بها ميارة لشرح طبيعة الأزمة التي يمر بها حزب الاستقلال حاليا والتي كشفت أن الرجل سقط سهوا على السياسة بعد أن سلمت له نقابة الاتحاد العام للشغالين كمفتاح سيارة .
هل أصبح المغرب عقيما إلى الحد الذي يجعل الهواة والمغمورين يتصدرون المشهد.
تماما كما يجعل التداول على المناصب والمسؤوليات محصورا في لائحة جد ضيقة، لا نكاد ننسى بعض وجوهها، حتى نصطدم بعودتها إلى الواجهة بقبعة جديدة، و”بصنطيحة” أكبر.
هذه العينة التي أدمنت المناصب والامتيازات، تأبى النزول من العربة، وتجد لها سندا قويا يؤمن لها البقاء في المشهد، وبالتالي قطع الطريق على جريان النخب الذي من شأنه أن يوفر لنا نفسا إصلاحيا، ومسؤوليين يملكون أسلوبا جديدا في التعاطي مع مشاكلنا القديمة.
مسؤولون قادرون على فهم نبض الشارع وإبداع الحلول، عوض الارتهان لنفس الوجوه التي يعرف الجميع سجل سوابقها في التسيير، كما يعرفون تماما أن لا خير يرجى فيها.
كيف نقنع الموطن بمعيار الكفاءة، و بأهمية الانخراط في العمل السياسي، ونحن نشاهد أن بعض الأسماء لازالت ملتصقة بالكراسي والمناصب منذ عقود خلت، بل إن منها من جمع بين مناصب لا رابط بينها، لمجرد انه يملك من يدافع عن ملفه، أو يتقن طبخ الصفقات والمكائد السياسية التي تعبد له الطريق على حساب من يستحق فعلا،والنتيجة أننا نرى الفاسدين في الحكومة، و في المعارضة.
المغرب كما هو محتاج لنموج تنموي جديد بعد وصلنا للطريق المسدود، فهو محتاج أكثر لوجوه جديدة قادرة على جعل المواطن يلامس تغييرا حقيقيا من شأنه أن يطرد السحب السوداء التي أصبحت تتزاحم في الأفق.
أما تمديد صلاحية نفس الوجوه التي بتنا نعيفها فهو إهدار خطير للوقت، ورسالة سلبية ستزيد حتما من حدة القلق الجماعي مما هو قادم.
المناصب هي تكليف، وليس هدية توزع بمنطق الريع كما نبه الملك إلى ذلك، وهو واقع يفرض على الوجوه المحروقة شعبيا، وتلك التي صارت منفوخة أكثر من اللازم بعد أن ورطتنا في الفشل الذي راكمناه في معظم المجالات، أن تترجل طوعا عن العربة، وأن تخلي الساحة للكفاءات التي يصر البعض على دفعها للرحيل، أو تركها تصدأ، وتجتر مرارة الاقصاء، حتى تضمن نفس الدائرة استمرار احتكار المناصب والريع والسلطة والثروة.
لقد كان والي بنك المغرب واضحا حين قال للملك بلغة مباشرة أن تحدي تمويل الاوراش قد يحل لكن هناك تحدي رئيسي يتعين رفعه ويتعلق ببروز “نخبة قادرة على إدارة الاوراش” بعيدا عن التردد والتسويف.
اليوم بات واضحا وجود أزمة عميقة تجثم على المشهد السياسي…
أزمة إنكارها لن يزيدها إلا استفحالا أمام الانتظارات المتراكمة للمغاربة، وحالة الإحباط واليأس التي بدأت تتسع، بعد أن تجاوزنا مرحلة الشك والتشكيك، ووصلنا إلى انعدام الثقة، وهي الثقة التي يتباكى عليها معظم السياسيين دون أن يقوموا بأدنى مجهود لاسترجاعها.
وضع كان متوقعا في ضل انفصال الأحزاب والمثقفين والنقابات عن هموم الشارع ، و انعدام جريان النخب، و استمرار نفس الأسماء التي عافها المغاربة في التحكم بمفاصل هيئات كان يحسب لها ألف حساب، قبل أن تتحول اليوم إلى مجرد “تابع” أو “شركة مناولة”.
وجوه صارت تغرق في امتيازات المناصب، وترفل في الريع السياسي وتدافع عنه بكل شراسة دون أن تجد حرجا في ادعاء الترافع عن ضرورة الإصلاح ، وتحصين حقوق المغاربة.
وجوه صار مطلوبا منها وبإلحاح أن تتحلى بالقليل من الحياء، وتركن لتقاعد سياسي، حتى تفسح المجال لمن يحملون هم هذا الوطن فعلا.
تعليقات ( 0 )