سيناريو تغيير القيادة الاستقلالي قد يدفع الحكومة نحو تعديل مبكر

مخاض حزب الاستقلال يزعج أخنوش ويضع الأغلبية على كف عفريت

في سياق اقتصادي واجتماعي صعب، ناتج عن تداعيات جائحة “كورونا” والحرب الروسية-الأوكرانية، يواجه التحالف الحكومي بقيادة التجمع الوطني للأحرار، بوادر أزمة سياسية على خلفية الصراع الدائر داخل حزب الاستقلال، والذي انتقلت شظاياه إلى داخل الفريق البرلماني للحزب، ما بات يهدد تماسك الأغلبية بسبب مخاوف من وقوع تمرد لنواب “الميزان”.

الجدل الذي يعيشه الحزب هذه الأيام يدور حول برلمانيي الحزب، بسبب مشاريع التعديلات المثيرة للجدل على النظام الأساسي، والتي تسعى إلى إبعاد البرلمانيين عن العضوية في المجلس الوطني بالصفة، الأمر الذي أثار موجة غضب كبير، وتسبب في انقسام داخلي على مستوى الفريق البرلماني بين تيار داعم لهذه التعديلات وتيار رافض لها.

في عمق هذه الأزمة التنظيمية، بدأت تثار مخاوف كبيرة من إمكانية وقوع زلزال سياسي داخل الأغلبية، ليس فقط من حيث إمكانية وقوع “تمرد” للبرلمانيين على قيادة الحزب كرد على إبعادهم من العضوية في المجلس الوطني، وهم الذين قادوا الحزب إلى الحكومة، بل لأن ما يجري اليوم قد يحمل بوادر تغيرات جوهرية على مستوى القيادة الاستقلالية، وهو تخمين حتى وإن كان موغلا في التشاؤم فإنه يبقى مطروحا بقوة لدى المتابعين لما يجري داخل حزب علال.

أخنوش يراقب

منذ بداية الخلاف حول عضوية البرلمانيين بالصفة في المجلس الوطني لحزب الاستقلال، بدأت قيادات الأغلبية وعلى رأسها عزيز أخنوش، تراقب وضع بكثير من الترقب لما يمكن أن يعرفه الحزب خلال الأسابيع المقبلة، في أفق مؤتمر استثنائي وضع له جدول أعمال يتعلق بتغييرات على مستوى القوانين الداخلية، لكنه قد يحمل أجندات تعاكس ما تشتهيه سفن الأغلبية الحكومية.

ما يعيشه حزب الاستقلال اليوم من مواجهة خفية ومعلنة بين تيار حمدي ولد الرشيد، الذي يسعى إلى إلحاق تغييرات عميقة بتركيبة المجلس الوطني، وبين تيار نزار البركة المدعوم من أغلب البرلمانيين والمفتشين وعدد كبير من قواعد الحزب، يفتح الباب أمام الكثير من التكهنات لعل أبرزها أن ما يجري له علاقة بمستقبل الاستقلال ما بعد نزار بركة.

داخل الحزب هناك من ينظر إلى التعديلات المثيرة للجدل على أنها بداية للإطاحة بنزار بركة، وبالتالي صفحة جديدة ليس فقط على مستوى قيادة الحزب بل أيضا فيما يرتبط بمشاركته في الحكومة، ما يفتح باب النقاش حول إمكانية وقوع تعديلات، أو حتى انسحاب الحزب من الحكومة كما وقع مع تعيين حميد شباط سنة 2013.

هذا السيناريو الأخير، أو الكابوس السياسي بالنسبة لعزيز أخنوش، يظل مستبعدا في المرحلة الحالية لاسيما وأن العرف يقتضي أن يستمر نزار بركة أمينا عاما باعتبار أنه هو من قاد مفاوضات تشكيل الحكومة ويشارك كوزير في فريق عزيز أخنوش، فضلا عن كون الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تفرض وجود استقرار حكومي وعدم المجازفة بخلق توترات سياسية داخل الأغلبية.

لكن الذي قد يطرح بقوة، حتى وإن بقي نزار بركة على رأس الحزب، هو أن تدفع بعض الأطراف النافذة داخل الحزب نحو الضغط من أجل نيل حقائق وزارية إضافية، لاسيما وأن هناك نوعا من الغضب الداخلي بشأن الأسماء التي استوزرت باسم الحزب، وأيضا ما يتصل بطبيعة الحقائب التي يدبرها الاستقلاليون.

تضامن الأغلبية؟

عندما خرجت إلى العلن حملة مجهولة المصدر حاملة هاشتاغ “أخنوش إرحل” داخل الفضاءات الاجتماعية، وجد الرجل نفسه وحيدا بالرغم من وجوده داخل تحالف ثلاثي يضم إلى جانب حزبه، كلا من الأصالة والمعاصرة والاستقلال..فقد أظهرت تلك التجربة أن التحالف الحكومي قد لا يصمد أمام المد الأزرق الذي قد يحول حتى هذه الأحزاب إلى موضوع للمطالبة برحيلها أيضا..وهي نتيجة طبيعية لسنوات من تراجع ثقة المواطنين في الفاعل الحزبي والسياسي.

حتى الاجتماعات التي تنظمها قيادات التحالف فغالبا ما تذهب نحو بعض “المجاملات” في البلاغات والندوات الصحفية، في وقت تؤكد كل المؤشرات بأن الأمور “ليست سمنا على عسل”، وبأن الخلافات موجودة داخل التحالف الحكومي، لاسيما في تدبير بعض الملفات الخلافية، وأيضا ما يتصل بتنازع الاختصاصات بين بعض الوزراء، الأمر الذي جعل رئيس الحكومة في أكثر مناسبة مدعوا لاتخاذ القرارات الحاسمة.

قد نعود هنا مثلا إلى الاجتماع الذي سبق أن انعقد بين قيادة “البام” وبرلمانيي الحزب، والذي شهد دعوات واضحة من أجل إعطاء الضوء الأخضر لفريقي الحزبين بمجلسي النواب والمستشارين من أجل مواجهة ما اعتبره البعض “هيمنة” للأحرار على الأغلبية، وهو الأمر الذي فسره أكثر من مصدر بوجود تنافس شرس بين الطرفين، لاسيما وأن “البام” يعتبر نفسه حزبا له من الوزن السياسي والانتخابي ما يفرض أن يكون طرفا حاسما في كثير من القرارات.

غير أن الذي وقع في هذا الاجتماع هو تسريب تدخل للوزيرة والقيادية فاطمة الزهراء المنصوري، يفيد بأن “البام” مستعد لمغادرة الحكومة، الأمر الذي جعل الأغلبية تعيش استنفارا كبيرا من أجل فهم حقيقة التصريحات، وما إذا كان أهل “التراكتور” غاضبون من تدبير شؤون الأغلبية. لكن خلال الاجتماع الذي انعقد برئاسة قيادات التحالف، سارعت المنصوري إلى التأكيد على أن التصريحات أخرجت عن سياقها، وبأن ما قالته كان دعوة لبرلمانيي الحزب بضرورة الاستمرار في مساندة الحكومة، أما إذا كان للحزب موقف الآخر فعليه أن يغادر، معتبرة أن الأمر حمل دعوة صريحة لدعم الحكومة وليس النزول من قطار الأغلبية.

ثاني مثال على هذه الخلافات أو اختلاف وجهات النظر على الأقل هو ما أثير بشأن موقف عبد اللطيف وهبي، وزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، والذي أبدى اختلافه حول الطريقة التي دبر بها هذا الملف، لاسيما وأن الوزير المعني بمثل هذه المشاريع هو وزير الشغل يونس السكوري، غير أن رئيس الحكومة كان له رأي آخر.

وعلى الرغم من أن الخلاف حول هذا المشروع قد تم طيه، فإن واقع العلاقات داخل الأغلبية، بما في ذلك على مستوى مجلس النواب، يؤكد وجود نوع من التباعد والتنازع أحيانا بين حزب يقود الحكومة بأغلبية عددية تصل إلى 102 مقاعد، وحزبين آخرين يعتبران أنفسهما فاعلين أساسيين في حكومة ما كان لتتشكل لولا قبولهما الالتحاق بالتحالف المشكل لها.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي