للوهلة الأولى، يبدو الموقف الروسي متذبذبا من قضية الصحراء. فلا هو إلى صف البوليساريو وعرابتها الجزائر بشكل واضح، ولا هو يعترف بسيادة المغرب على صحرائه بشكل لا لبس فيه. وإذا كان الحيز لا يسمح باستعراض محطات الموقف الروسي جميعها من قضية الصحراء، فإن استعراض بعض أهم المحطات خلال السنين الثلاث الأخيرة، سيكون كافيا لأخذ فكرة عن ذلك التذبذب.
في نوفمبر 2020، وجهت روسيا انتقادات للبوليساريو، بسبب إغلاقها معبر الكركرات الحدودي الدولي الهام بين المغرب وموريتانيا. وفي 27 من نفس الشهر ونفس العام، وقع المغرب وروسيا على تمديد الاتفاقية التي تسمح للسفن الروسية بالصيد في المنطقة الاقتصادية المغربية الخالصة، شاملة سواحله الصحراوية، لأربع سنوات أخرى. وهو ما يماثل اعترافا ضمنيا بسيادة المغرب على صحرائه. لكن بعد أيام فقط، شكل اعتراف الرئيس الأمريكي السابق ترامب بسيادة المغرب على صحرائه في 10 ديسمبر 2020، زلزالا وصدمة صاعقة لروسيا التي انبرت تندد بالقرار، معتبرة إياه “متعارضا مع القانون الدولي”. وفي أكتوبر 2021، دعمت روسيا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2602 الذي نوه بمقترح الحكم الذاتي.
وفي الثاني من الشهر الماضي، خصص السفير الروسي بالرباط مقابلة صحفية، مع وكالة “إيفي” الإسبانية، كاملة للتنويه بالعلاقات الاقتصادية في إطار اتفاقية “الشراكة الاستراتيجية العميقة” الموقعة بين البلدين في 2017. وقلل من تأثير أزمة عدم تمكن موسكو من تسديد قيمة مشترياتها من المغرب بسبب العقوبات الغربية. لكن خطاب الود في نسفها السفير الروسي بالجزائر بعد يومين فقط.
ففي الرابع من الشهر الماضي، عبر السفير الروسي في الجزائر، في الرابع من الشهر الماضي، عن استغرابه مما اعتبره “تغيرا مفاجئا” في موقف إسبانيا من قضية الصحراء، بعد الخطوة التي اتخذتها حكومة بيدرو سانشيز القاضية بالاعتراف بمقترح المغرب منح المنطقة حكما ذاتيا. ورافع الدبلوماسي الروسي، في حوار أجرته معه قناة “النهار” الجزائرية المقربة من النظام الجزائري والمعروفة بمواقفها العدائية من المعرب، بأن “إسبانيا تتحمل تاريخيا مسؤولية خاصة تجاه شعب الصحراء، باعتبارها كانت تستعمر المنطقة”، مستغربا أن “الحكومة الإسبانية كانت تؤيد حق الشعب الصحراوي”. بل وذهب السفير أبعد من ذلك، عندما قال إن “إسبانيا تتعرض لضغوط من جهات (لم يسمها)، من أجل تعديل موقفها من قضية الصحراء الغربية”. وكان يقصد المغرب دون شك.
كيف يمكن فهم تباين هذه المواقف الروسية من المغرب وقضاياه المصيرية، بحيث ترفض أن تبارح موسكو منطقتها الرمادية التي ظلت تلازمها؟
إن هذا التذبذب الظاهري في الموقف الروسي من قضية الصحراء المغربية بالأساس، يرتبط في الواقع بطبيعة العقيدة الديبلوماسية الروسية. فموسكو التي تجمعها مصالح مشتركة مع طرفي النزاع المفتعل حول الصحراء، تحاول الحرص على نهج سياسة تراها بمنظارها متوازنة ومحايدة، دون أي تطلع واضح للعب دور الوساطة بين الطرفين. ويفرض عليها ذلك ألا تحيد عن موقفها الجيوسياسي العام، المتأرجح باستمرار على حبل الجانبين بأريحية. وبالنتيجة يبدو الموقف الروسي في أوقات معينة كما لو أنه يصب في صالح المغرب. وفي أحيان أخرى، يدعم البوليساريو والجزائر في هذا الصراع من دون أن يذهب بعيدا في الإضرار بمصالح المغرب.
كيف نفهم الموقف الروسي من قضية الصحراء؟

تعليقات ( 0 )