ماذا بعد انضمام المغرب لداعمي أوكرانيا في مواجهة روسيا؟

سياسة الاستقطاب الأمريكية الروسية تضع المغرب في “مأزق استراتيجي”

تضع سياسة الاستقطاب الأمريكية الروسية  المغرب في “مأزق استراتيجي”، فمنذ اندلاع النزاع الروسي الغربي على أرض أوكرانيا قبل أكثر قليلا من شهرين، ارتكن المغرب إلى حياد صعب أكد من خلاله استقلال سياسته الخارجية مرة أخرى. فللاعتبارات التي سنتوقف عندها بتفصيل في متن هذا التحليل، لم تكن الرباط ترى من فائدة في الانضمام إلى الحملة الدولية التي تعادي روسيا، ولم تُدِن غزوها لأوكرانيا كما انتظر الأوروبيون والأمريكان. والتزمت بلادنا نأيا بالنفس يستحق التنويه من هذا النزاع المعقد للغاية.. سيما أن موسكو تتمتع بـ “حق الفيتو” بمجلس الأمن، ومن المحتمل جدا أن تقلب له ظهر المجن بخصوص قضية الصحراء. كما أن للمغرب معها مصالح اقتصادية هامة واستثمارات كانت واعدة، وباتت اليوم على المحك بسبب تطورات الحرب الأوكرانية.

لكن سياسة الاحتواء والاستقطاب الدولي، التي يضغط بها قطبا النزاع واشنطن وموسكو على دول العالم تحت شعار “إما معنا أو ضدنا”، جعلت الحفاظ على خط الحياد صعبا أكثر فأكثر. ثم جاءت في سياق ذلك مشاركة الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني عبد اللطيف لوديي، الأسبوع الماضي، في القمة التي دعت إليها واشنطن واحتضنتها الأسبوع الماضي ألمانيا، تحت اسم “المجموعة التشاورية من أجل الدفاع عن أوكرانيا”، إلى جانب ممثلين عن أكثر من 40 دولة، لتقطع الشك باليقين وتعلن نهاية الحياد.

فكيف يمكن أن نفهم هذا التغير في الموقف المغربي؟ ما هي أهمية العلاقات بين موسكو والرباط؟ وما هي التداعيات المحتملة للموقف الجديد على قضايا المغرب من الجانب الروسي؟

حياد تمليه المصالح العليا

بحضور 40 دولة بين أعضاء في حلف الناتو وحلفاء له، ترأس وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، مؤتمر “المجموعة التشاورية من أجل الدفاع عن أوكرانيا”، الذي انعقد بدعوة من بلاده يوم الثلاثاء قبل الماضي، بقاعدة “رامشتاين” الأمريكية في ألمانيا. وقد اهتمت هذه القمة بتباحث سبل تسليح أوكرانيا، حتى تتمكن من التصدي للهجوم الروسي على شرقها، وتأمين أمنها وسيادتها على كامل أراضيها.

وحضرت هذا المؤتمر عدد من الدول العربية، من بينها المغرب الذي قوبل وجوده بينهم بعلامات استفهام  كبيرة من قبل كثير من المحللين، بالنظر إلى الموقف الذي سبق أن التزمته الرباط منذ بداية الحرب في أوكرانيا، بالحياد إزاءها والامتناع عن إدانة الهجوم الروسي.

وإلى حدود الثلاثاء ما قبل الأخير، حافظت المملكة على موقف الحياد والتوازن، في مواجهة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، اختار المغرب الحياد متجنبا وصفه بالغزو. وشفعت المملكة ذلك باعتماد سياسة الكرسي الفارغ. فخلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بتواريخ 2 مارس، و24 مارس، و7 أبريل الماضية، التي تم خلالها إصدار قرارات تدين التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، تغيب المغرب. وحاولت الخارجية المغربية تبرير الموقف الحيادي، بالتأكيد في بيان صحفي على أن المملكة ما زالت مخلصة لـ “احترام وحدة أراضي وسيادة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة”. وشكل الموقف المغربي هذا، رفقة مواقف دول أخرى مثل السعودية والإمارات، حدثا سياسيا لافتا بالنظر إلى كون هذه الدول المقربة من الغرب تبنت موقفا معاكسا لسياسة الغرب. وقد رحبت موسكو بموقف المغرب حينها، حيث أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مباحثات مع نظيره المغربي حول الأزمة.

لكن، برأي المحلل الجيوستراتيجي الإسباني الشهير بيدرو كناليس، “تلك الحقيقة البديهية لم تقنع واشنطن”. فـ “محاولة المغرب الحفاظ على سياسة خارجية مستقلة عن القوى الكبرى، في وقت تعمقت فيه الأزمة الدولية لدرجة إثارة احتمال اندلاع حرب عالمية ذات أبعاد مقلقة وبعيدة المدى، كان ينبغي أن تتوقف”. فأخبر البيت الأبيض “حليفه الاستراتيجي الرئيس” المغرب، بأنه يجب عليه أن يتخذ موقفا واضحا من الصراع.

و”كان للضغط الذي مارسته الولايات المتحدة تأثير، بحيث شارك المغرب مع 40 من حلفاء الولايات المتحدة، وجميع أعضاء حلف الناتو، بالإضافة إلى ضيوف آخرين مثل أستراليا والسويد وفنلندا وتونس وقطر، في الاجتماع الذي عقد في قاعدة رامشتاين الأمريكية في ألمانيا”، وفقا للمحلل الإسباني. وإلى حدود الساعة، لم تقدم الدولة المغربية توضيحات لهذا التغيير المفاجئ في الموقف من حرب أوكرانيا، مثل إصدار بيان أو تقديم تصريحات من طرف وزير الخارجية ناصر بوريطة.

ربما يستند الموقف المغربي الجديد على معطيات لا نملكها. لكن الخلاصة هي أن الحرب الروسية الأوكرانية هي لحظة تاريخية فاصلة ومهمة على مستوى العالم، إذ إنها إيذان بميلاد نظام دولي جديد… فالحرب اليوم وإن كان مسرحها أوكرانيا، إلا أن الرهانات تجري خارجها. العالم يسير صوب عصر جديد، سيعيد تشكيل التحالفات والتوازنات بين دول العالم، بناء على نتائج ما يحدث الآن.

نظام عالمي جديد يتشكل

يعتقد البعض أن شرر هذه الحرب الطاحنة لن يطال الدول العربية. بحكم بعدها الجغرافي أولا، وبحكم غياب العرب الفعلي عن مستوى التأثير السياسي على الملعب الدولي. والحال أن الدول العربية ستكون الأكثر تضررا من الحرب الروسية الأوكرانية، ما يفرض عليها أن تختار معسكرها بعناية.

قبل أسابيع، حذر وزير الخارجية الأوكراني العالم من أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قائلا: “ستكون بداية حرب واسعة النطاق في أوكرانيا نهاية النظام العالمي كما نعرفه. إذا لم تحصل روسيا على رد صارم وحاسم الآن، فإن هذا سيعني إفلاسا تاما لنظام الأمن الدولي، وللمؤسسات الدولية المكلفة بالحفاظ على النظام الأمني العالمي”. إن المعركة لا تقف عند حدود سوء التفاهم بين موسكو وكييف حول قضايا ثنائية تتعلق بالأمن والسيادة. بل هي نزال فعلي بلا هوادة يروم إعادة رسم ملامح نظام عالمي جديد. فليس سرا أن بوتين إنما يسعى إلى الإطاحة بالنظام العالمي الحالي وبمؤسساته المختلفة، في سعيه لاستعادة بعض ألق ونفوذ روسيا السوفييتية.

بالمقابل، فإن المؤسسات التي أنشئت قبل عقود لتثبيت الهيمنة الغربية على مصير العالم، أدت وظيفتها طوال الخمسة وسبعين عاما الماضية. وهي الآن تتعرض لامتحان صعب قد لا تخرج منه سالمة. فالدول المهيمنة على القرار الدولي تسعى بقوة إلى عزل دول أخرى بحجم روسيا، اقتصاديا وثقافيا وحضاريا وإنسانيا، وطردها من تلك المؤسسات الدولية (مجلس الأمن الدولي، مثلا)، وتقييد حركة شعبها ومحاصرته. ولذلك كان البحث عن مؤسسات دولية بديلة قد بدأ بشكل خجول منذ فترة محدودة من طرف روسيا والصين وقوى أخرى.

لكن مشكلة روسيا أن الصين لا ترى مصلحة لها في أن ينتهي تضامنها مع موسكو إلى تعرضها لنفس العقوبات. فالصين ترى مصلحتها في استمرار تجارتها مع العالم، ولذلك تبدو حذرة جدا في الدخول على خط “المشروع الروسي”؛ على الأقل ليس في الوقت الحاضر. أم الهند فتفضل –رغم الضغوط الغربية والروسية– التشبث بحيادها. ولذلك تبدو روسيا في ورطة في مواجهة حرب ستطول بعد أن كلفتها كثيرا، وبات مشكوكا أن تحقق لها أهدافها الاستراتيجية التي من أجلها أربكت “هدوء” العالم.

ما تأثير الموقف على المغرب؟

نقف الآن عند عتبة السؤال الأهم: ماذا بعد انضمام المغرب لداعمي أوكرانيا في مواجهة روسيا؟ هل ستتأثر مصالحه بسبب قراره الأخير؟

بحسب الأرقام، المغرب يعتبر أكبر شريك تجاري لروسيا في إفريقيا، بميزان تجاري يناهز 1,6 مليار دولار. ومنذ في عام 2020، زاد المغرب وارداته من الفحم الروسي بنسبة 30% بحيث أصبحت روسيا مورده الرئيس للفحم. ويعد المغرب أكبر مزود لروسيا بالفوسفاط الذي تستخدمه في الزراعة، إلى جانب الحوامض والخضروات وقطع غيار السيارات وغيرها.

أهم الاستثمارات الروسية في المملكة: في 2016، أعلنت شركة “كاماز” الروسية أنها تعتزم فتح مصنع تابع لها بالمغرب، بهدف تصنيع شاحنات عسكرية. وفي نفس العام، أعلن المغرب اهتمامه بشراء المقاتلات الجوية “سو- 34″ وغواصات ” Amur-1650″ من روسيا. لكن هذه الصفقة لم تتم بسبب التزام الرباط بالعقوبات المفروضة على قطاع الصناعات العسكرية الروسية. ورغم ذلك واصلت روسيا عرض صفقات لسلاحها على المغرب. وهو ما يؤشر على أنها تضع المغرب على خريطة مصالحها الرئيسة، كزبون محتمل لأسلحتها. إلى جانب ذلك، يمكن لروسيا أن تصبح شريكا رئيسا للمغرب في استراتيجيته الخاصة بإقامة صناعة عسكرية، متى قبلت نقل التكنولوجيا العسكرية–كما يشترط المغرب– وليس فقط إقامة مصانع للتركيب.

في شق المشاريع المدنية، وقعت روسيا مذكرة تفاهم مع المغرب في 2017، لإنتاج الطاقة النووية لأغراض سلمية، من خلال إنشاء محطات نووية. وفي 2019، تم الاتفاق مع موسكو على بناء مُركّب للبتروكيماويات بملياري  أورو بالناظور، يشمل مصفاة لتكرير البترول ستوفر في المرحلة الأولى طاقة تكرير تصل إلى 100 ألف برميل في اليوم.

ولا تنحصر أهمية العلاقات مع موسكو بالنسبة للرباط في المبادلات التجارية وإقامة مشاريع استثمارية ضخمة. بل لعلها شكلت بعد 2016 رهانا استراتيجيا، يمكن اللجوء إليه احتياطيا، متى تأزمت علاقات المملكة مع شركائها الغربيين. فعلاقات المغرب بالاتحاد الأوربي بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، كانت –كما هو معلوم– قد وصلت إلى مستويات متدنية (خصوصا مع أعضائه الرئيسيين: إسبانيا وألمانيا وفرنسا). ومن الواضح الآن أنه لو طالت الأزمة مع الأوروبيين وانضاف إليها اتخاذ إدارة بايدن لقرار يتراجع عن الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.. لأمكن للمغرب عندئذ أن يتجه بشكل طبيعي نحو روسيا والصين. فالاحتمالات جميعها كانت –ولا تزال– واردة عندما يتعلق الأمر بقضايا المغرب المصيرية.

بالمنطق، لا يمكن لروسيا أن تعادي عشرات الدول، لأنها اتخذت –إما تحت الضغط أو دفاعا عن مصالحها– موقفا لا يرضيها. ولذلك رأينا أنه رغم إقدام الجزائر، التي تعتبر من أبرز حلفاء موسكو في العالم، على ضخ غازها لأوروبا لتعويض الغاز الروسي، إلا أن السفير الروسي عبر عن “تفهمه”. وعليه، فمن حيث المبدأ لن يؤثر الموقف المغربي كثيرا في العلاقات مع روسيا. خصوصا وأنه من المستبعد أن يمد أوكرانيا بالسلاح، وحضوره في قمة “رامشتاين”، إلى جانب قطر وتونس والأردن، بدا أقرب ما يكون إلى مجرد “مشاركة”.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي