العدوي بين “السيف الخشبي” و” عفا الله عما سلف”

تطورات جديدة في قضية اختلاسات بنك خريبكة

يواصل المجلس الأعلى للحسابات، وهو أعلى محكمة رقابية، نشر غسيل مؤسسات الدولة، والمجالس المنتخبة، والمؤسسات العمومية.

المجلس يضعنا كل سنة  أمام صورة عارية للملايير التي تبدد في صفقات فاسدة، ومشاريع فاشلة، وبذخ  مستفز، لا يتناسب إطلاقا مع حالة الفقر التي تغرق فيها شريحة واسعة من المغاربة.

المفارقة أن هذه التقارير لازالت محكومة بسؤال الجدوى  بعد أن اكتشفنا أن المجلس يملك سيفا خشبيا في مواجهة غول الفساد…..

الرئيسة الحالية للمجلس، زينب العدوي التي سبق لها أن كانت قريبة من مطبخ تدبير الشأن العام والية على جهة القنيطرة، ورئيسة للمفتشية العامة للإدارة الترابية  توعدت أول أمس مختلسي ومبددي المال العام بالمتابعة.

واضح أن العدوي استغلت مرورها أمام البرلمان لمسح الصورة التي التصقت بالمجلس كفزاعة لا تخيف.

كما حاولت أن تبعث رسالة بأن زمن “عفا الله عما سلف” قد انتهى خاصة بعد أن شدد ملك البلاد على بعث الروح في هذه المحكمة الرقابية.

جاء ذلك بعد أن اشتكى ادريس جطو  رئيس المجلس السابق في أكثر من مناسبة من وضع الملفات الساخنة في “الثلاجة”، ومن تجاهل تقاريره وتوصياته.

الخطير أن ذات المجلس وضع في قفص الاتهام بعد تقارير أزعجت رئيس الحكومة الحالي حين توليه لحقيبة الفلاحة والصيد البحري بعد نشر غسيل إخفاقاته.

كما واجه  المجلس اتهامات بالانتقائية و”التسييس”،  في مقابل انتقادات شديدة اللهجة حول “هزالة القرارات الزجرية المتعلقة بالتأديب المالي، وب”قلة الملفات التي تتم إحالتها والتي تتضمن أفعالا تستوجب عقوبات جنائية “.

بعيدا عن ذلك، وفي انتظار أن تنتقل العدوي من “الشفوي” إلى المعقول تماما كما حدث مع خادمتها التي سرقت كليو غرامين من اللحم ووجدت نفسها في السجن، فإن تقرير المجلس يضعنا ومن جديد أمام حقيقة واحدة وهي، أن الفساد يتغول، وأموال الدولة لازالت تنهب، وتبدد، وهي حقيقة لا نعلمها، بل ونعاني منها، ومن أعراضها الكارثية، لكن الخطر الأكبر يمكن في البرود و الامبالاة التي تتعامل بها الدولة مع كل هذه الفضائح.

لهذا السبب بالتحديد فإن الواقعية تقتضي منا أن  لا نتوقع حدوت أي رد فعل في الأمد القريب إزاء  ملفات الفساد التي رصدها المجلس.

كما لن نتوقع في ظل عدد من المؤشرات أن تكون هناك صحوة ضمير مفاجئة للحفاظ على “هيبة” الدولة في مواجهة “السيبة” المتفشية في كثير من الوزارات، و المؤسسات والقطاعات والمشاريع، مادامت هذه الأخيرة تحصر “هيبتها” في الهراوة، والاعتقالات التي  تتعاطي  بها مع احتجاجات المغاربة التي تبقى في الغالب ذات طبيعة اجتماعية صرفة.

اليوم هناك قناعة بأن الأحزاب، والنقابات، وجزءا واسعا من المسؤولين و النخب، و المجتمع المدني قد صاروا شركاء في هذا الصمت الكبير، الذي نتعامل به إزاء أرقام، ووقائع، خطيرة، وجد مقلقة، لأن الجميع مستفيد بشكل أو بآخر، وهو صمت كلفنا، وسيكلفنا ثمنا فادحا.

يحدث هذا لأن المؤسسة التشريعية و الحكومة  تتعاملان ب”عين ميكة” مع ملفات الفساد التي تستنزف جهد عشرات القضاة، كما تكلف المغاربة عشرات الملايير سنويا لتركن في الأرشيف.

ملفات تضع الأصبع على جزء مهم من الثقوب التي تجعلنا نحتل مراتب مخجلة في مؤشرات التنمية، ورتبا متقدمة في الفساد.

وضع لا يبدو مستغربا في بلد تجتهد نخبه السياسية لمنع تجريم الاثراء غير المشروع لكي يتمتع لصوص المال العام بما سرقوه  دون محاسبة.

أمر يفسر لنا كيف تحولت تقاري  أعلى هيئة رقابية مالية في البلاد لمجرد “فزاعة”  لا تخيف، حتى ولو صدرت مئات التقارير والتوصيات التي تكشف حجم النزيف الذي  تتعرض له ميزانية البلاد.

هذا  سواء تعلق الأمر بالمجالس المنتخبة أو  الوزارات أو المؤسسات العمومية أو بعض المشاريع والمخططات التي ركبت على الإصلاح وانتهت بفساد خطير كلفنا مئات المليارات من الدراهم.

وضع يؤكد ما سبق ونبهت إليه فعاليات حقوقية حين أكدت أن الهيئات الرقابية بالمغرب ما زالت تحتاج إلى الإصلاح القانوني العميق  والإرادة والشجاعة لتتمكن من أداء أدوارها.

الحديث هنا موجه بالأساس لتجربة المجلس الأعلى للحسابات بصفته مؤسسة شبه قضائية، والذي تتحول تقاريره السوداء في ظل عدم تحريك المتابعات ذات الطابع الجنائي إلى مجرد تقارير للاستئناس والاستهلاك الإعلامي.

والواقع أن تقارير المجلس في ضل هذا الوضع تصبح مجرد تقييم عابر للسياسات العمومية، عوض تحقيق مفعولها الرقابي، الأمر الذي يفسر لنا استمرار نفس الخروقات والتجاوزات إن لم نقل التمادي فيها..

وإذا ظهر السبب بطل العجب.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي