أوقفوا الإبادة.. أوقفوا هذا الجنون !

في غزة، يتكرر الموت على مرأى من ضمير إنساني يبدو أنه غط في سبات عميق. كيف للكلمات أن تحتمل ثقل جبال الأسى القادمة من فلسطين؟ وكيف للحروف أن تصور هول مشاهد تعجز الأبصار عن تصديقها، والأرواح عن استيعابها؟
هناك، على تلك الأرض المقدسة التي ارتوت بدماء الأبرياء، تتجلى بشاعة يعجز العقل عن تصورها، ووحشية تجعل من حكايات الجحيم قابلة للتصديق.
الإنسان، هذا الكائن الذي كرمه خالقه، يرتكب أبشع صور التنكيل بأخيه الإنسان. لا يكتفي بذلك، بل يطال بطشه الحجر والشجر.
تتوالى صور الإبادة والحصار والتجويع والدماء على شاشاتنا كطقس يومي من العذاب الممنهج، حتى كادت القلوب أن تقسو وتتحجر، لولا أنها في كل مرة تنفطر أسى، كأنها لم تعرف الوجع قط، حتى المستشفيات والمدارس لا تسلم من القصف.
أطفال يولدون تحت صوت المدافع ليموتوا قبل أن يدركوا من الحياة سوى لون الدم ورائحة البارود. نساء مفجوعات يصرخن وجعا يفتت الأكباد، وشيوخ أنهكهم القهر حتى جفت مدامعهم. هؤلاء ليسوا مجرد أرقام في نشرات الأخبار، إنهم أحلام تسلب، وأرواح تزهق، ومستقبل يحرق بنيران الحقد والعمى السياسي.
ويقف “الشيطان الأكبر”، متمثلا في قرارات سياسية فجة، كصخرة صماء تتحطم عليها كل مناشدات الإنسانية. مصالح دولية معقدة، وحسابات جيوسياسية، تسدد فاتورتها من دماء المستضعفين وأشلائهم. والمفارقة الموجعة أن حتى أولئك الجناة، جنود يقحمون في أتون هذه المحرقة، قد يعودون إلى ديارهم بأرواح ممزقة، مثقلين باضطرابات نفسية قد تدفع ببعضهم إلى إنهاء حياتهم البائسة. فالظلم لا يفتك بضحاياه فحسب، بل يلتهم حتى أدواته.
وأمام هذا الهول، تتهاوى أسئلة الوجود الكبرى: أين هي الفلسفات التي بشرت بإنسانية أرقى؟ وكأن العالم قد ترك لمصيره المظلم! هل من حكمة ترتجى من هذا الصمت الدولي المريب أمام بكاء الأطفال الجياع ونزيف الأبرياء؟
إن العقل ليكاد يجن، والقلب يكاد يتوقف، ونحن نبحث عبثا عن بصيص معنى في هذا العبث الكوني، عن تفسير يريح نفوسا أنهكها التساؤل والانتظار المرير.
ارحمونا أيها العالم! ارحمونا يا أصحاب القرار! لم نعد نقوى على مزيد من المشاهدة، ولم تعد آذاننا تحتمل سماع المزيد من صرخات الألم وقصص الفجيعة التي تبكي الحجر الأصم وتدمي القلوب. لقد استنفدت قوانا، وجاوز الأسى كل قدرة على الاحتمال. ليست هي مجرد صور عابرة، بل خناجر تستقر في عمق الروح، تذكرنا في كل لحظة بعجزنا، وبمدى الظلمة التي يمكن أن تسكن النفس البشرية.
أما فاض الدم بما يكفي لتتوقف آلة القتل العمياء؟ أما آن لصوت الرحمة أن يعلو فوق دوي المدافع؟
إنه نداء من قلوب ما زالت تنبض رغم النزيف، لعل هذه الكلمات تكون شاهدا على زمن سقطت فيه الأقنعة، وانكشف فيه عجزنا الجماعي عن إيقاف مجزرة تبث فصولها على الهواء مباشرة.
كفى! ارحمونا، فقد فاض الكيل. ها نحن نستسلم للوجع، ونجثو متوسلين أمام كل من بيده وقف هذه المجازر. فهل من مجيب؟

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي