من المستفيد من غلاء أسعار المحروقات؟

أسعار المحروقات في المغرب لم تعد مجرد أرقام متغيرة على لوحات المحطات، بل باتت ميزانا لاقتصاد يعاني، وجيوبها مثقلة، وأرباحا تتراكم في خزائن البعض دون رقيب.
فمن المستفيد الحقيقي من هذه المعادلة المختلة؟
حين قررت الحكومة تحرير سوق المحروقات في 2015، كانت الحجة أن المنافسة ستخلق سوقا أكثر عدلا، وستمنح المستهلك خيارات أفضل، لكن الحقيقة جاءت عكس ذلك، إذ لم تفتح السوق على تعددية فعلية، بل خلقت احتكارا ناعما حيث تحدد الأسعار وفق منطق “التواطؤ الضمني”، وليس وفق آليات العرض والطلب.
شركات التوزيع الكبرى كانت الرابح الأكبر. أرقام مجلس المنافسة وتقارير الخبراء الماليين تؤكد أن هامش ربح هذه الشركات تضاعف ثلاث مرات بعد التحرير.
الضرائب على المحروقات ليست مجرد رقم هامشي في الميزانية، بل هي أحد أعمدة الإيرادات الضريبية للدولة.
في كل مرة يرتفع السعر، تزداد المداخيل الضريبية بشكل تلقائي. ليس غريبا إذن أن تجد الحكومة نفسها في وضع مريح، لا تريد العودة إلى دعم المحروقات، ولا تبحث عن حلول لتخفيف العبء على المواطن.
لكن الحكومة ليست مجرد متفرج، فهي أيضا شريك غير معلن في هذه المعادلة، لأنها المستفيد الثاني بعد الشركات. فكل درهم إضافي في السعر، يعني ملايين الدراهم الإضافية في خزينتها دون الحاجة إلى زيادة الضرائب بشكل مباشر..
على الطرف الآخر، يقف المواطن الذي لا يملك خيارا سوى الدفع. التفسير السائد بأن “الأسعار الدولية هي المتحكم الرئيسي” لم يعد يقنع أحدا. فإذا كانت الأسعار تتحرك وفق برميل النفط، فلماذا لا تنخفض بنفس السرعة التي ترتفع بها؟ ولماذا لا تعكس أرباح الشركات التقلبات الحقيقية للأسواق؟
توقف “لا سامير”، لم يكن مجرد ضربة لصناعة التكرير في المغرب، بل كان إعلانا بأن السوق سيظل رهينة الاستيراد المباشر، مما يعني أن الأسعار ستظل عرضة لأي تلاعب خارجي أو داخلي..
في كل مرة يشتد فيها الجدل، يتدخل مجلس المنافسة، يصدر التقارير، يعقد الاجتماعات، لكن شيئا لا يتغير. الحديث عن غياب المنافسة ووجود ممارسات غير شفافة يبقى مجرد توصيف نظري، في حين أن الواقع لم يشهد أي إجراءات حقيقية لكسر هذه الدائرة المغلقة.
في نهاية المطاف، اللعبة مستمرة: شركات التوزيع تحقق أرباحا ضخمة دون مساءلة و الحكومة تستفيد من الضرائب دون تحمل أي تكلفة سياسية و المواطن يدفع الفاتورة دون أي خيارات بديلة.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي