طي صفحة دعم البوطا والسكر والدقيق …هل يجبر المغاربة على أداء فاتورة إصلاح مؤلم وملتبس..؟

الحديث الرسمي عن قرب رفع الدفع الدعم، و تحديد موعد له  في إطار جس نبض الشارع ، ليس سلوكا حكوميا جديدا بل هو مسلسل انطلق مند مدة، و انخرطت في حكومة بنكيران وحكومة العثماني، قبل أن يحين الدور على حكومة اخنوش الذي كان يرفض صيغة الدعم المالي المباشر كوزير، قبل أن يصبح عرابا لها مع توليه رئاسة الحكومة.

واقع يؤكد أن ملف الدعم كان ككرة نار يتم دحرجتها من حكومة لأخرى غير أن موعد الحسم في هذا الملف بات وشيكا في ضل المؤشرات الحمراء لمالية للدولة، والتحديات المرتبطة بتمويل التغطية الصحية .

اللافت أن المندوبية السامية للتخطيط قامت بدارسة قبل 3 سنوات، ووقفت عند ثقوب كثيرة تسيل منها ملايير الدعم لتصب في صالح الأثرياء والميسورين ممن يزاحمون الكادحين في مساعدات تتدخل الكثير من الأيادي لتحريف مسارها.

الدراسة التي أنجزتها المديرية، وإن كانت تدخل في إطار وضع الأصبع على مكمن الخلل، إلا أن المداد الذي كتبت به، وما ورد فيها من معطيات مرتبطة ب”اختلاس”30 في المائة من أموال الدعم من طرف الميسورين،  كانت توطئة صريحة لرفع الدعم بحجة أن ملايير الدراهم تخطئ عنوانها.

الرائحة الغربية التي انبعثت من هذه الدراسة كشفت أن قرار رفع الدعم محتوم ومحسوم، و أن المعطيات التي قدمت هي  لتسهيل مهمة صانع القرار، في توجه يكرس التنفيذ الحرفي والأعمى لتوجيهات البنك الدولي وكبار المقرضين، وفي تغييب تام لحالة الاحتقان الاجتماعي التي أصبحت ظاهرة وجلية ومستفحلة.

الدراسة زاوجت بين الحديث عن نسب الفقر و”نزيف” الدعم في وصفة تزامنت حينها مع حديث المتواتر والمتردد للحكومة عن نيتها المضي في إصلاح صندوق المقاصة بعد “تشاور عميق”،  قبل ان تصبح هذه النية واضحة  وصريحة على عهد حكومة اخنوش مع ما جاء به النموذج التنموي من مشاريع تحتاج لتمويلات فلكية ستمر حتما عبر رفع الدعم.

    من سيدفع الثمن

إلى الآن أهدرت الدولة مئات الملايير من الدراهم في عدد من البرامج والمشاريع التي وضعت لتعزيز الحماية الاجتماعية، وتقليص نسب الفقر والهشاشة دون أن تحقق نتائج تتناسب مع قيمة المبالغ التي صرفت، لذا لا غرابة أن تجتهد الحكومة أكثر فأكثر في تغطية هذا العجز من خلال نحت تعاريف جديدة، وغريبة، للفقر وللطبقة المتوسطة استعدادا لرفع الدعم عن الغاز والسكر والدقيق وطي صفقة صندوق المقاصة، في مقابل تفعيل الدعم المباشر الذي لازالت صيغته غامضة وملتبسة.

هذا السعي الذي يشبه اللعب بالنار خرج فعلا للوجود، و وضعت الخطوة الأولى على أرض الواقع بعد مصادقة الحكومة على مشروع قانون رقم 72.18 المتعلق بـ”منظومة استهداف المستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي، وبإحداث الوكالة الوطني للسجلات”.

ورغم أن هذا القانون جاء وفق مهندسيه ل”تحسين مردودية البرامج الاجتماعية، تدريجيا، وعلى المدى القريب والمتوسط”، عبر اعتماد “معايير دقيقة وموضوعية وباستعمال التكنولوجيات الحديثة” إلا أن أسئلة كثيرة وتخوفات مشروعة  تلاحق الكيفية التي سيفعل بها هذا الدعم، في ضل الأعطاب الفادحة التي رصدت في عدد من التجارب السابقة، والتي كشفت أن  معظم البرامج الاجتماعية يتم التعامل الميزانيات المرصودة لها ك”وزيعة”، كما يتم تحريف مسارها،وأن الأغنياء والميسورين يزاحمون فقراء البلد في الاستفادة منها.

غموض وشكوك

النموذج الصارخ هو ما حصل في برنامج”راميد” ،بعد أن أقر رئيس الحكومة  السابق بأن هناك 10 في المائة من المنتمين لغير الفقراء يحملون هذه البطاقة على علاتها، هذا فضلا عن الضبابية والغموض الذي يلف وصفة التنزيل، والكلفة التي ستتحملها الطبقة المتوسطة التي دفعت إلى الآن ثمنا فادحا لعدد من الخطوات والقرارات التي اتخذتها الدولة منذ الشروع في سياسة التقويم الهيكلي مطلع الثمانينيات، وذلك في ضل التعريف المنحرف للطبقة المتوسطة والذي يجعل من يتقاضون4000 درهم شهريا مصنفين ضمن هذه الطبقة.

ويبدوا واضحا أن أسئلة الشفافية و الحكامة كانت حاضرة عند الإعداد لهذا القانون الذي نص على إحداث “آليات لتعزيز التناسق بين برامج الدعم الاجتماعي”، وذلك من خلال “تصور موحد لتنفيذ هذه البرامج بشكل منصف وشفاف، وتجاوز الاشكاليات التقنية التي تعيق إيصال الاستفادة الفعلية من هذه البرامج إلى الفئات التي تستحقها فعليا”.

صيغة تغدي التوجس الكبير الذي يتعامل به المغاربة مع التصريحات والنوايا الحكومية المعلنة إلى الآن بشأن الدعم المباشر وآليات تصريفه، والجهة التي ستستفيد منه بعد رفع الدعم.

سوابق حكومية

والواقع  أن ثقة المغاربة في صدقية الخطوات الحكومية المرتبطة بتفكيك منظومة الدعم، وحديثها عن “مساعدة الفقراء” في زمن استفحل فيه الغلاء كان متنها ضعيفا منذ البداية، قبل أن تتعرض لهزة عنيفة أجهزت على ما تبقى لها  من مصداقية بعد تحرير أسعار المحروقات الذي تعاملت فيه الحكومة بسياسة “من ليحتو لقم ليه” بشهادة وزير الحكامة  الذي  اعترف بأن المغاربة هو من دفعوا ثمن تحرير أسعار المحروقات ضمن خطة الحكومة لطي صفحة صندوق المقاصة.

النتيجة أن الحكومة وفرت ملايير الدراهم التي وضفتها بمنطق الصدقة في مشاريع الحماية الاجتماعية، فيما جنت الشركات فوائد فلكية، و صارت تربح درهمين في اللتر لواحد، وكل ذلك على حساب جيوب المغاربة الذين أصبحوا يدفعون للطرفين معا.

التخوف من سيناريو ما بعد رفع دعم الدولة واعتماد الدعم المباشر سبق وأن حاول السياسيون احتوائه من خلال الحديث عن الاستعانة بتجارب  ناجحة لعدد من الدول كالهند والبرازيل  متناسين أن الأمر يتعلق باقتصاديات قوية، تحفزها معدلات نمو متصاعدة، تجذب الاستثمارات و تخلق آلاف من مناصب الشغل.

أمر تتعامى عنه حكومة اخنوش التي أطلقت بالون اختبار تلو آخر على لسان لقجع بشأن  رفع الدعم عن قنينات الغاز والسكر والدقيق، مع ترقب رد الفعل، خوفا من أن يؤدي أي تسرع في هذا القرار إلى انفلات الوضع.

والواقع أن الأمر لا يتعلق بوصفة حكومية، أو اجتهاد سياسي، بل انصياع تام لتعليمات البنك الدولي بتفكيك ما تبقى من منظومة الدعم.

هذا بعد أن أصبحت الدولة تراهن على ملاييره كطوق نجاة لميزانيتها العامة، لكن هل تنجح هذه المغامرة التي تشبه اللعب بالنار، خاصة مع  التحذير الصريح الذي أصدر ذات البنك قبل ثلاث سنوات، وقبل أن تزيد الجائحة الوضع تعقيدا من أن مشاعر السخط الاجتماعي  للمغاربة قد بلغت المؤشر الأحمر .

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي