لم تكن شيرين أبو عاقلة تدري وهي تدخل مدينة جنين لتغطية الاقتحام الإسرائيلي، أنها ستكون الخبر العاجل…لم تستطع شيرين هذه المرة نقل الخبر من عين المكان لأنها كانت الخبر نفسه! فرصاصة القناص الغادرة أسكتت صوت هذه الشابة المقدسية للأبد.
شيرين نصري أنطون أبو عاقلة المولودة في 3 يناير 1971 بمدينة القدس لأسرة مسيحية يعود أصلها إلى بيت لحم، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالأردن، واشتغلت قبل شهرتها مع قناة الجزيرة القطرية في إذاعة فلسطين ثم وكالة الأونروا وقناة عمان الفضائية، إضافة إلى مؤسسة مفتاح وإذاعة مونت كارلو الدولية قبل أن تلتحق بقناة الجزيرة في سنة 1997 حيث عملت مراسلة إخبارية وغطت الانتفاضة الثانية وجميع محطات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حتى اغتيالها يوم 11 ماي الجاري برصاصة في الرأس بمدينة جنين.
25 سنة قضتها شيرين في تغطية الأخبار من الأراضي الفلسطينية دفاعا عن الحق والكلمة الحرة، لم تترك الميكروفون إلا وهي جثة هامدة، لذا اختار زملاؤها أن يرافقها الميكروفون في رحلتها الأخيرة إلى جانب سترتها الواقية، فتم وضعه فوق جسدها المغطى بالعلم الفلسطيني.
الصورة الأخيرة والتغطية الأخيرة…شيرين أبوعاقلة تنام نومتها الأبدية بعد أن استهدفها الرصاص وهي في سنها ال 51 …ربما كانت لها أحلام أخرى وآمال تنسجها لوطنها الذي أثخنته الجراح، لكن الأقدار كانت لها كلمة أخرى، وانضافت شيرين إلى قائمة شهداء مهنة المتاعب الذين قضوا في سبيل الكلمة الحرة ودفاعا عن قضايا عادلة .
“شيرين أبو عاقلة … الجزيرة.. القدس المحتلة” .. كانت هذه لازمة تنهي بها شيرين مراسلاتها، أما الآن فقد وقعت بدمها على هذا الخبر العاجل الذي أعلن مقتلها وأشعل عاصفة من الغضب والحزن ..الغضب من حامل سلاح جبان استهدف سيدة سلاحها الكلمة، والحزن كل الحزن على هذا الفقدان الكبير لصحافية مخضرمة أعطت الشيء الكثير لمهنتها ولوطنها فلسطين فنقلت الوجع الفلسطيني لكل العالم بكلماتها التي وصفت بها الأحوال السياسية والحروب والانتفاضات وآلام السجناء والأمهات الفلسطينيات والأطفال ضحايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
شيرين لم تكن صحفية تخوض معركة النضال بتقاريرها وكلماتها فقط، بل كانت إنسانة أحبها كل المقربين منها وكل الزملاء الذين لم يسمعوا يوما أنها أساءت لأحد، بكلمة أو موقف، طيلة مسيرتها المهنية مع قناة الجزيرة، بل كانت نعم الصديقة وصندوق أسرار لصديقاتها وزميلاتها اللواتي اعتدن على البوح والشكوى لها، فهي الصدر الحنون والقلب الطيب.
والذين يعرفون شيرين يقولون أيضا أنها إنسانة عرفت بالجود والكرم ومساعدة العائلات الفقيرة والمحتاجة، وكان لها اهتمام خاص بعائلات الأسرى الفلسطينيين… إنسانة بكل هذه الخصال الإنسانية والمهنية هي خسارة كبيرة لفلسطين وللصحافة العربية.
شيرين أبو عاقلة التي تعاطت بشكل يومي مع قدر الموت وأفلتت منه عشرات المرات كانت أول صحفية عربية يسمح لها بدخول سجن عسقلان في عام 2005 حيث أجرت مقابلات مع أسرى فلسطينيين ونقلت معاناتهم للعالم أجمع، وظلت وفية لرسالتها الإعلامية الهادفة لإيصال معاناة الفلسطينيين وفضح تجاوزات الاحتلال الإسرائيلي.
وداعا إذن، شيرين أبو عاقلة شهيدة الصحافة العربية التي اختارت مهنة المتاعب لتكون قريبة من الناس فكان لها ما أرادت، وزادها الاستشهاد قربا ورسوخا في الذاكرة والوجدان العربيين.
تعليقات ( 0 )