مغرب الغلاء!!!

لا صوت في الأسواق المغربية، يعلو فوق صوت الأسعار التي تواصل الارتفاع بشكل غير مسبوق.
المواطن البسيط يجد نفسه في معركة يومية، ليس من أجل تحسين مستواه المعيشي، بل فقط للحفاظ على القدرة على شراء ما يكفيه ليومه.
في كل مرة يتجه فيها المغاربة إلى الأسواق، تصدمهم الأرقام، كما لو أننا إزاء لعبة عبثية، وقواعدها ليست سوى سحق القدرة الشرائية للفئات الهشة والمتوسطة.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه بقوة: من المسؤول عن هذا الوضع؟
منذ وصولها، رفعت الحكومة شعار “الدولة الاجتماعية”، ووعدت بتحسين ظروف المعيشة والحد من الغلاء. لكن مع مرور الوقت، أصبح واضحا أن هذه الشعارات لم تتجاوز عتبة التصريحات الرسمية. فعوض أن تتخذ إجراءات ملموسة لضبط السوق، ظلت تكتفي بالتبرير والتسويف..
في كل مرة تقدم الحكومة مبررا لارتفاع الأسعار، فمرة تتحدث عن السياق الدولي، المرتبط بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع كلفة الإنتاج بسبب موجة التضخم العالمية.
قد يكون الأمر صحيحا إلى حد ما، لكنه لا يفسر كيف أن أسعار بعض المواد في المغرب تفوق نظيرتها في بلدان تعاني من نفس الأزمات، بل حتى في دول ذات مستوى معيشي أعلى، علما أن والي بنك المغرب سبق له أن قال أن التضخم في المغرب ليس له ارتباط بأي عوامل خارجية وأنه بالتالي من صنع محلي..
وهنا نعود إلى أصل المشكلة: من يتحكم في السوق المغربي؟ وهل للحكومة سلطة حقيقية على الأسعار أم أنها رهينة لمنظومة تحتكم لقوانين المضاربة أكثر مما تحتكم للمنطق الاقتصادي؟
في كل أزمة، هناك مستفيدون. وفي المغرب، يبدو أن المضاربين والسماسرة هم أكبر المستفيدين من هذه الأزمة. هؤلاء لا يتحركون وفق قواعد العرض والطلب الطبيعية، بل يصنعون واقعًا جديدا يعتمد على التحكم في الكميات المطروحة في السوق، واحتكار المواد الأساسية لإعادة بيعها بأسعار مضاعفة، مستغلين ضعف الرقابة وغياب إجراءات صارمة تحد من نفوذهم.
المثير في الأمر أن هذه الممارسات لم تعد خفية، بل أضحت مكشوفة أمام الجميع، بما في ذلك الحكومة التي تعلن بين الفينة والأخرى عن حملات لمراقبة الأسواق، لكنها في الغالب حملات موسمية لا تملك تأثيرًا حقيقيًا على الأسعار.
والسؤال هنا: كيف يمكن تفسير استمرار ارتفاع الأسعار رغم تراجع كلفة بعض المواد في السوق العالمية؟ ومن يملك الجرأة لكبح جماح هؤلاء المضاربين؟
في النهاية، يبقى المواطن المغربي هو المتضرر الأكبر من هذا الوضع. فالموظف الذي لم تشهد أجرته زيادة تواكب هذا الغلاء، والعامل الذي بالكاد يكفيه دخله لسد احتياجات أسرته، والفقير الذي يزداد فقرا، كلهم يجدون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع سوق لا يرحم، دون حماية اجتماعية حقيقية تخفف من وطأة هذه الأزمة.
الحكومة تتحدث عن دعم الفئات الهشة عبر برامج اجتماعية، لكن الحقيقة أن تأثير هذه البرامج محدود أمام الارتفاع المهول في الأسعار. فماذا سيفيد دعم مباشر إن كان لا يغطي حتى الفارق الذي تسببت فيه المضاربة والجشع؟
في الوضع الحالي، لا يمكن الحديث عن حلول دون إرادة سياسية حقيقية، وإجراءات ملموسة تتجاوز لغة الخطابات. هناك إصلاحات عاجلة يجب القيام بها، ومنها:
تشديد المراقبة على الأسواق، ومعاقبة المضاربين الذين يثبت تورطهم في رفع الأسعار بشكل غير مبرر.
إصلاح منظومة الدعم الاجتماعي، بحيث تكون أكثر عدالة وتأثيرًا في مواجهة الغلاء.
إعادة النظر في هوامش ربح بعض القطاعات، خاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية الأساسية، بحيث يتم وضع سقف محدد يمنع الاستغلال غير المشروع.
المغاربة لم يعودوا يبحثون عن تبريرات، ولا عن خطابات سياسية مكررة.
ما يحتاجونه اليوم هو قرارات جريئة وفعالة تجعلهم يشعرون بأن هناك من يحمي قدرتهم الشرائية، ويمنع تغول المضاربين على حساب معيشتهم.

شارك المقال
  • تم النسخ

تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)

المقال التالي