شركات مغربية وأجنبية نافذة تتحكم في الأسعار والأرباح
لم يكن ادريس الكراوي، عند تعيينه رئيسا لمجلس المنافسة، يتوقع أن ينهي ملف المحروقات مهامه على رأس مؤسسة استراتيجية..إلى أن سقط الرجل في المحظور، وذهب ينفذ خطوات مرتبكة فوق حقل ألغام.
في 22 مارس 2021، استقبل الملك محمد السادس أحمد رحو وعينه رئيسا لمجلس المنافسة، وذلك بعد رفع تقرير اللجنة الخاصة المكلفة من قبل الملك بإجراء التحريات اللازمة، لتوضيح وضعية الارتباك الناجمة عن القرارات المتضاربة لمجلس المنافسة، بشأن مسألة وجود توافقات محتملة في قطاع المحروقات، الواردة في المذكرات المتباينة، التي تم رفعها إلى العلم السامي لجلالته في 23 و 28 يوليوز 2020.
في كواليس ما جرى، هناك الكثير من البياضات حول الدور الذي لعبه ادريس الكراوي في تدبير موقف مجلس المنافسة من الجدل الذي رافق ارتفاع أرباح الشركات بشكل كبير بعد قرارا التحرير الذي تقرر في عهد حكومة عبد الإله بنكيران.
التحرير..قرار مشبوه
أيا كانت المبررات، فإن القرار الذي اتخذه وزير الطاقة الأسبق عبد القادر اعمارة، بدعم من عبد الإله بنكيران، سيظل محاط شبهة كبيرة، لاسيما أنه جاء بعد توافقات غامضة مع الشركات، أو لنقل بشكل أدق لوبي المحروقات.
عندما انتبهت حكومة عبد الإله بنكيران إلى الابتزاز الذي حاول جمال باعامر، المدير التنفيذي لمصفاة “لاسامير” ممارسته على الدولة، سارع وزير الطاقة والمعادن آنذاك عبد القادر اعمارة إلى إطلاق اتصالات في الكواليس مع الشركات المغربية للاطمئنان على قدراتها التخزينية.
لم يكن هاجس الحكومة في تلك اللحظة غير تفادي وقوع أزمة قد تعصف بالاقتصاد المغربي، في حال تقرر وقف الإنتاج بشكل كلي داخل محطة التكرير، وبالتالي وقف تزويد المملكة بالمحروقات..هاجس لم يأخذ بعين الاعتبار المستهلك المغربي الذي سيتحول إلى رهينة بيد الشركات.
أول قرار أعلن عنه عبد القادر اعمارة هو أن الوزارة اتخذت جميع التدابير اللازمة بتنسيق مع المتدخلين في قطاع المحروقات لتأمين تزويد السوق الوطنية بالمواد البترولية المكررة، من خلال تحيين البرنامج البديل لاستيراد هذه المواد بما يضمن توفر مخزون احتياطي مهم لتغطية حاجيات السوق الوطنية أدناه 30 يوما.
الموقف الحازم تجاه “لاسامير” جاء في سياق عدة مبادرات اتخذت قبل سنوات من أجل تقوية قدرات الاستقبال والتخزين بالموانئ، الشيء الذي مكن المغرب من تغطية حاجياته من هذه المواد رغم توقف مصفاة لاسامير عن الإنتاج، وذلك بفضل قدرات الاستيراد والتخزين المتوفرة لدى الشركات، والتي قدرت آنذاك ب 913000 متر مكعب بالنسبة للغازوال ( 52 يوما من الاستهلا، و152000 متر مكعب بالنسبة للبنزين الممتاز (75 يوما من الاستهلاك)، و60000 متر مكعب بالنسبة لوقود الطائرات ( 27 يوما من الاستهلاك)، و79000 طن بالنسبة للفيول (19 يوما من الاستهلاك).
في وقت قياسي، تم إعداد مشروع قانون بتغيير وتتميم الظهير الشريف بمثابة قانون المتعلق باستيراد مواد الهيدروكاربور وتصديرها وتكريرها والتكفل بتكريرها وتعبئتها وادخارها وتوزيعها، صادق عليه المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 29 أكتوبر 2015، والذي يرمي بالخصوص إلى ضمان توفر مواد الهيدروكاربور المكررة ووقود الغاز الطبيعي في محطات الخدمة أو التعبئة وكذلك تزويد السوق الوطنية بالمواد البترولية ووقود الغاز الطبيعي من طرف الفاعلين.
كل هذه التطورات كانت توحي بأن قرارا غير مسبوق يلوح في الأفق. فإلى جانب رفض الابتزاز الذي حاول باعامر ممارسته على الدولة، كانت التحركات في الكواليس تشير إلى أن الشركات كانت تستعد لمرحلة أهم ستجني منها أرباحا طائلة..إنها مرحلة تحرير الأسعار وابتعاد الدولة عن أي تدخل يؤدي إلى خلق نوع من التوازن بين السعر في السوق الدولي، وانعكاسه على السوق الوطنية.
لم يكن اختيار موعد التحرير عشوائيا. فالأسعار كانت قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها، وهو الأمر الذي جعل الحكومة تتفادى أي رد فعل سلبي آني من المستهلك، خاصة أنها كانت تروج للقرار بكونه يحمل إيجابيات كبيرة لجيوب المغاربة. هكذا، وبدون أي دراسة معمقة لكيفيات تطبيق هذا القرار وضمان المنافسة بين الشركات العاملة في القطاع، قرر فريق عبد الإله بنكيران الذهاب إلى اتخاذ قرار تحرير الأسعار.
القانون الذي جاءت به الحكومة ط كان يقضي بتغيير وتتميم الظهير الشريف المتعلق باستيراد مواد الهيدروكاربو وتصديرها وتكريرها والتكفل بتكريرها وتعبئتها وادخارها وتوزيعها. هذا القانون يهدف إلى وضع سند قانوني لتعزيز مهام مراقبة جودة المنتوجات البترولية السائلة على مستوى مرحلة التكرير والاستيراد والتخزين والنقل ونقط البيع، والترخيص للأعوان المكلفين بالمراقبة بالتدخل على مستوى المراحل السالفة.
لكن أهم معطى، في ارتباط مباشر بعملية المراقبة، هو زجر الغش عن طريق فرض عقوبات مناسبة في حق مرتكبي المخالفات بشأن مواصفات جودة المنتوجات البترولية، حيث تشمل هذه العقوبات، بالإضافة إلى فرض غرامات مالية، إمكانية توقيف اعتماد الفاعلين بصفة مؤقتة أو نهائية، والذين عرضوا للاستهلاك منتجات غير مطابقة للموصفات، وذلك عن طريق التوجه إلى القضاء.
تغول بدون حسيب
كان على الرأي العام أن ينتظر حوالي ثلاث سنوات حتى يتم تسليط الضوء على ما وقع بعد قرار تحرير المحروقات، وما حققته الشركات من أرباح خيالية، وسط شبهات كبيرة حول وقوع اتفاقات مقاولاتية فيما بينها.
هكذا، وفي ظل ضغط الرأي العام، اضطر مجلس النواب لتشكيل لجنة استطلاعية أصدرت تقرير سنة 2018، وكان من بين خلاصاته، حتى بعد حذف بعض الصفحات المثيرة للجدل، أن التحرير كان في صالح الشركات.
ففي ظل غياب أي آليات للضبط، تمكنت الشركات من تحقيق أرباح بلغت 17 مليار درهم وفق تصريحات رئيس اللجنة الاستطلاعية النيابية حول المحروقات. فقد ذهب بوانو إلى أن أرباح بعض الشركات العاملة في القطاع تضاعفت بما يقرب 1000 في المائة منذ تحرير المحروقات، في وقت توصلت اللجنة إلى أن شركة تعاني من خسائر في الخارج، مثل فرنسا وإسبانيا، تمكنت من مضاعفة أرباحها بـ300 في المائة في المغرب.
التقرير خلص إلى أن أول مستفيد من عملية رفع الدعم عن المواد البترولية وتحرير القطاع هو سياسة الدولة التي استفادت من توفير ما يزيد عن 35 مليار درهم سنويا، التي تشكل نفقات المقاصة والتي بلغت سنة 2012 مستوى قياسيا يقدر ب 56 مليار درهم. هذه الأغلفة المالية تمت إعادة برمجتها لخدمة القطاعات الاجتماعية، وتوجيه الدعم المباشر نحو الفئات الأكثر حاجة.
ورغم المعطيات الفاضحة التي كشفها التقرير لم تستطع الحكومة أن تتخذ أي قرار. فقد ظلت جميع التوصيات تراوح مكانها، بينما تحول مقترح تسقيف الأرباح إلى ورقة من أجل ربح الوقت، إلى أن غادر لحسن الداودي القطاع دون أن يخلخل تماسك هذا اللوبي القوي.
أما مجلس المنافسة، وبالنظر إلى الارتباك الذي حصل في مقاربته لهذا الملف، فقد فشل بدوره في القيام بمهامه. وبعدما تم إبعاد رئيسه السابق ادريس الكراوي، ينتظر الرئيس الحالي أحمد رحو تعديلات قانونية قد تكون بداية لإعادة فتح هذا الملف.
تعليقات ( 0 )