لوبي قوي بأذرع نافذة في انتزاع الامتيازات و650 مليار إعفاءات ضريبية في 2021
في خريطة الاستثناءات الجبائية، يتصدرون أكثر القطاعات استنزافا لمليارات الدراهم من الإعفاءات منذ سنين، مستفيدين من برامج تم تنزيلها بهدف منح المغاربة سكنا لائقا، قبل أن تتحول إلى فضائح في مختلف مدن المملكة، بعدما أصبح حلم السكن مجرد كابوس وسط صناديق إسمنتية.
في سنة 2021 بلغت الإعفاءات الجبائية حوالي 29 مليار و500 مليون درهم. وقد استأثر القطاع العقاري بحصة الأسد، بما مجموعه 6 مليار و546 مليون درهم، وهو ما يمثل 22% من مجموع هذه الإعفاءات. في المقابل، يبدو هذا القطاع عصيا على التطويع سواء من حيث جودة المنتوج العقاري، أو من حيث الأسعار التي تصل مستويات قياسية في عدد من المدن، عندما يتعلق الأمر بالسكن المتوسط أو الموجه للفئات الميسورة.
أما في ردهات المحاكم، فهناك المئات من القضايا التي يتابع فيها منعشون عقاريون..بعضهم بتهم النصب والاحتيال على الزبناء، من خلال قبض الملايير دون تسليم العقارات المتعاقد بشأنها، وأخرى تتعلق بجودة البناءات، وحوادث خطيرة أودت بحياة مجموعة من الضحايا..كما وقع في القنيطرة وغيرها.
إعفاءات سخية
سخاء الدولة في التعامل مع المنعشين العقاريين، مكن هذا اللوبي من مراكمة أرباح كبيرة في قطاع جعلته الدولة ضمن أولوياتها من أجل توفير سكن لائق لعموم المغاربة، ولاسيما بالنسبة للفئات التي كانت تقطن في دور الصفيح أو السكن الآيل للسقوط..حتى إن هذا اللوبي استطاع أن يتحول إلى قوة ضغط تتدخل عبر الأذرع البرلمانية من أجل إخراج قوانين على المقاس، من خلال تعديلات آخر لحظة.
تتنوع طبيعة الإعفاءات بين تلك المرتبطة بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة على القيمة المضافة، والإعفاءات المتصلة بواجبات التسجيل والتنبر، فضلا عن الاستفادة من عقارات الدولة بمختلف أشكالا بأسعار لا تعكس تلك الأسعار الحقيقية في السوق. في المحصلة، نجد أن هذا القطاع يوجد يعلى رأس أكثر القطاعات المستفيدة من الإعفاءات الجبائية في سنة 2021.
خلال هذا السنة، وعلى غرار سابقاتها، استفاد مثلا المنعشون العقاريون من إعفاء كلي فيما يخص العقود والأنشطة والدخول المتعلقة بإنجاز برنامج، في إطار اتفاقية مبرمة مع الدولة تكون مشفوعة بدفتر للتحملات، لبناء 200 سكن بالوسط الحضري أو 50 سكن بالوسط القروي، موزع على فترة أقصاها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ تسليم أول رخصة للبناء. ويهم هذا الإعفاء المساكن ذات القيمة العقارية المخفضة التي لا تتجاوز المساحة المغطاة لكل وحدة منها 50 إلى 60 متر مربع ولا يزيد مجموع قيمتها العقارية على 140 ألف درهم باحتساب الضريبة على القيمة المضافة.
أرباح مغرية
كم يجني المنعشون العقاريون في مختلف المشاريع التي يشيدونها؟ سؤال يطرح نفسه بقوة، إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الإعفاءات الضريبية وانخفاض كلفة البقع الأرضية التي تشيد فوقها الشقق سكنية، وأيضا الجودة المنخفضة للبناءات، والتي تتحول في بعض المشاريع في فضائح حقيقية، لاسيما في فصل الشتاء.
بالنسبة للمنعشين العقاريين، فإن الأرباح تظل جد محدودة..لكن بالعودة إلى بعض التقارير، فإننا نجد بأن هذا اللوبي راكم أرباح طائلة، لاسيما خلال السنوات الأولى التي تم فيها إطلاق برامج محاربة السكن غير اللائق، والتي شكلت كعكة تسيل لعاب المنعشين العقاريين، بدليل عدم اهتمام كثير منهم بالسكن الموجه للطبقة المتوسطة.
في بعض التقارير التي صدرت إلى حدود سنة 2014، نجد هامش الربح الذي كان يحققه المنعشون العقاريون في السكن الاجتماعي، خلال هذه المرحلة، كان يفوق بكثير ما يحققه المنعشون العقاريون في دول حوض البحر الأبيض المتوسط بنسبة تتراوح ما بين 300 و500 في المئة، أي من ثلاثة إلى خمسة أضعاف دفعة واحدة.
مجلس المنافسة سبق أن أنجز دراسة سنة 2014. وقد خلصت الدراسة إلى أن التكلفة الكلية لوحدة سكنية تصل إلى حوالي 205000 للوحدة التي تباع بثمن 250000 درهم أي بهامش ربح بمعدل 26 في المئة دون احتساب رسم الضريبة على القيمة المضافة. وإذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن الدولة تقوم بإرجاع هذه الضريبة وأدائها للمنعشين العقاريين، فإن نسبة هامش الربح على المسكن الواحد تقفز إلى 31 في المئة.
وإذا كان المنعشون العقاريون ينازعون في عدد من الأرقام التي تشير إلى الأرباح الكبيرة التي يراكمونها، فإن المؤكد هو أن هذه الفئة استطاعت خلال سنوات عديدة من أن تنتزع امتيازات كبيرة مستغلة رغبة الدولة في تحسين ظروف عيش المغاربة..رغم أن النتيجة لم تكن في المستوى المأمول، لاسيما وأن جودة البناءات ومساحتها وموقعها والمرافق المتوفرة في محيطها، تطرح اليوم تحديا حقيقيا على السلطات الحكومية.
هذا دون أن نغفل الجانب “الأخلاقي”، وكيف تحولت عدد من المشاريع إلى سراب بعدما “اختفى” الواقفون وراءها عن الأنظار، وحولوا امتلاك السكن إلى كابوس حقيقي..وهنا يمكن سرد وقائع احتجاج المغاربة المقيمين بالخارج في معارض العقار، فضلا عن الشكايات التي توجه إلى القضاء في ملفات خيانة الأمانة التي يتورط فيها بعض المنعشين العقاريين، أو من ينتحلون صفتهم عبر ظاهرة الوداديات السكنية.
قطاع العقار.. إعفاءات بالمليارات وقوانين تتغير في آخر ليل

تعليقات ( 0 )