رئيس الحكومة السي عزيز اخنوش، لا يملك عصا سحرية لحل مشاكل المغاربة التي يتوارثونها حكومة بعد أخرى.
لكن الرجل يملك في المقابل “جبهة” كبيرة، تجعله يتنكر لجميع الوعود، و”السحاسح”، التي قدمها خلال حملته الانتخابية، وخاصة منها تلك المتعلقة بمساعدة الطبقة المتوسطة على مواجهة أعباء التعليم الخاص، وتحسين وضعية العاملين بقطاع التعليم العمومي عبر زيادة 2500 في الأجور.
من عاين المسيرة الحاشدة لرجال ونساء التعليم، والتي رفعت شعار “إسقاط النظام الأساسي” يخرج بقناعة واحدة، وهي أن الحكومة التي نجحت في تمرير الزيادة في “البوطا”.. “حسي مسي”، ودون رد فعل شعبي بعد تردد دام لسنوات، حصلت اليوم “حصلة الكلاب”.. كما يقول المغاربة، بعد أن فتح شكيب بنموسى قمقم النظام الأساسي، ليخرج منه غضب اكتسح قلب العاصمة على شكل مسيرة تاريخية.
الوزير بنموسى الذي أطل من “شرجم” الوزارة ليعاين العاصفة التي حصدها بعد أن زرع الريح في نظام أساسي ملغوم، يبدو اليوم مجرد وزير صغير، وتائه، سلمت له حقيبة لا يعلم ما بداخلها، لذا فضل أن يمنحها لبعض “البراهيش” الذين جلبهم معه، والذين صاروا يراكمون فضيحة تلو أخرى، ويجرون القطاع نحو مستنقع برنامج استعجالي جديد.
اليوم تأكد لنا جميعا أن هذه الحكومة لا تمثل المغاربة، وأنها حكومة مكلفة ب”مهمة” تجتهد فيها بكل حماس، وهي تمرير عدد من التدابير التي فرضها البنك الدولي، والتي سندفع ثمنها جميعا، ومنها التفكيك التام لمنظومة الدعم بمنطق “شي يخلص على شي”.
كما تسعى الحكومة من وراء زرع الألغام بالتعليم العمومي لتهجير أبناء المغاربة نحو التعليم الخاص، وهو هدف لم يكن سرا، أو مجرد نويا غير معلنة، بل ورد في تصريحات علنية لعدد من الوزراء، ورؤساء الحكومات، بمن فيهم بنكيران الذي كان يرى في التعليم العمومي عبئا كبيرا على الدولة.
المعطيات الواردة من باب الرواح تشير إلى أن الملف، وبعد أن تطور لاحتجاجات تجاوزت الأساتذة للتلاميذ، والأسر، قد انتقل إلى مربع آخر، وصار التعاطي معه يستشعر اعتبارات حساسة، تتجاوز فهم شكيب بنموسى، رغم أن الرجل كان وزيرا للداخلية، وهي مفارقة كبيرة تطرح علامات استفهام حول كيفية إسناد المناصب في هذا البلد السعيد.
اليوم، ومع هذه الحكومة التي تقول أنها اجتماعية، تأكد أن اخنوش و”ربعاتو”،.. لا “كبدة” لهم على أبناء عموم المغاربة، ممن ضاعوا في ملايين الساعات من التحصيل المدرسي، وصاروا يواجهون مدارس مشلولة ومقررات متراكمة.
كما أن هذه الحكومة لا “كبدة” لها على عشرات الألوف من نساء ورجال التعليم الذي يمنحون “جوج ريالات” نهاية كل شهر للإشراف على ثاني أولوية وطنية بعد قضية الصحراء وفق الرواية الرسمية.
نقول هذا ونحن نعاين كيف قامت الحكومة بجبر خاطر لوبي التعليم الخاص لمجرد أنه لوح بإضراب وطني، بعد أن قامت بمنحه سلة امتيازات لا حصر لها، لكنها في المقابل منحت للمدرسة العمومية، ولأبناء المغاربة هدية مسمومة عبر نظام أساسي الهدف منه هو إرباك المنظومة، و تشويه صورة المدرسة العمومية لدى الأسر، وشيطنة الأساتذة وتصوريهم كأنانيين وانتهازيين لا يهمهم سوى البحث عن الزيادة على حساب مصلحة التلاميذ.
لقد تعامت حكومة بنكيران عن التحذيرات الكثيرة التي رافقت الإعلان عن تطبيق التوظيف بالعقدة في التعليم العمومي، وهي التحذيرات التي نبهت إلى أن الرهان على هذا الإجراء يحمل أعراضا جانبية خطيرة.
كما كان لحكومة اخنوش نفس الرأي، واستفادت من الوهن، والصمت والتواطؤ النقابي لتنزيل النظام المشؤوم، والذي فرضته خلفيات مالية محضة، والنتيجة أننا وعوض أن نجد الحل، خلقنا مشكلا أكبر بات يهدد المدرسة العمومية في الصميم، ويفتح المجال للقطاع الخاص لجني المزيد من الثمار على حساب جيوب المغاربة.
معركة إسقاط النظام الأساسي التي انطلقت، تبقى مشروعة، وتحظى بدعم واسع، لكنها تؤكد في المقابل أننا ندور في حلقة مفرغة، وأننا نهدر الكثير من الوقت والإمكانيات على حساب قضية وطنية، ومصيرية، وهي التعليم، من خلال الغرق في تدابير ارتجالية وعبثية تورط القطاع في مشاكل مفتعلة، لا طاقة له بها.
العبث أيضا هو أن نعاين لعبة “الصمت الحكومي” في وقت صار ملف التعليم مثل عود ثقاب فوق برميل بارود.
واضح أن الحكومة تتهرب من مسؤوليتها في إيجاد حل لهذه الورطة.
كما تتجاهل حالة الاحتقان التي امتدت لعموم العاملين بالتعليم، وهي بذلك تزرع المزيد من الألغام داخل القطاع، وتكرس المزيد من الاختلالات التي سيدفع ثمنها ليس فقط العاملون بالتعليم، بل الملايين من أبناء المغاربة ممن اختاروا طوعا أو قسرا المدرسة العمومية، ورفضوا الخضوع لابتزاز وجشع القطاع الخاص.
تعليقات ( 0 )