ابتداءً من الغد سينكب قضاة المجلس الأعلى للحسابات على تبرير كل شيء وذكر الحسنات قبل السيئات. ما دام رئيس مجلس النواب ينسجم مع دوره في ضرورة قول كلمة شكر في حق مدبري الشأن العام المجدين المجتهدين والغيورين على الأمانة التي تقلدوها، فهذا لا يمكن أن يكون موضوع اختلاف.
للتوضيح فقط، وجب القول أن تقارير الافتحاص والمراقبة ليست شهادات على حسن السلوك ولا تمجيد لمن قام بدوره على أحسن وجه. هذا دور الحكومة والحزب والنقابة والجمعية وليس دور مؤسسة مستقلة دورها وضع الأصبع على الاختلالات في كافة دول العالم.
المجلس الأعلى للحسابات ليس مجلسا للأستاذة في مؤسسة تعليمية أو لرئيسة مجلس إدارة لشركة، إنه مجلس يبدأ عمله وينهيه بملاحظات وتوصيات وليس بتوجيه التهاني على من أحترم القانون. كان على السيد العلمي، رئيس مجلس النواب، وإن كان رأيي أن المهمة أكبر من مؤهلاته، أن يبحث في ما لم يتمكن، هذا المجلس، دستوري المنشأ، أن يضيفه كقيمة إضافية إلى تقييمه للوضع المزرى الذي توجد عليه حالة التدبير العام للمال العام ونسبة قدرته على تقييم السياسات العمومية.
أرجو أن يكون السيد الرئيس العلمي قد فهم مضمون ما أشرت إليه. بلادنا تحتاج إلى تقوية كل آليات الرقابة على تدبير الشأن العام. لديك العديد من البرلمانيين الذين شملتهم أحكام قضائية ومنهم من ملفه رائج أمام محاكم المملكة ولكنهم يمنحون صفة نائب الأمة ويجلسون أمامكم. في الحياة الديمقراطية الحقة يختار رجل السياسة، ولو كان وزيرا، الاختفاء عن الإنتظار للدفاع عن نفسه أمام القضاء. وتعلمون أن الدستور أنهى الاختفاء وراء الحصانة بإستثناء التعبير عن المواقف تحت قبة البرلمان.
هل يخفى على السيد الرئيس أن ممارسة الديمقراطية في بلادنا لا تحمي بلادنا من تسلل الغرباء سياسيا وأخلاقيا إلى مؤسسات التشريع. تسلل المجرم ومهرب المخدرات والمتهرب من الضرائب ومنهم من فر إلى الخارج وامتهن معارضة مصالح الوطن العليا. من رشح هؤلاء ومن صوت على احتلالهم لمجالس ترابية ومن خاطبهم ” لكم الكلمة السيد النائب المحترم”. أعترف أيها الرئيس المحترم أننا نحتاج إلى مؤسسات تحترمها الأحزاب أولا لكي يحترمها المواطنون والمواطنات.
لقد أصبح سهلا ويسيرا أن يواجه السياسيون وخصوصا منهم من يسير الشأن العام مسؤولي مؤسسات الحكامة التي أقرها دستور المملكة. الأمر طال دراسات المندوبية السامية للتخطيط التي تعتبر من المؤسسات التي تحظى بتقدير دولي على ما راكمته من دراسات علمية. وتم التهجم على مؤسسة بنك المغرب ومجلس المنافسة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وعلى أعمالهم المبنية على أساس علمي وخبرات دولية. كل هذا في ظل وجود مؤسسات أغلب اعضاءها يشرعون وهم لا يعرفون مضمون مشاريع القوانين ولا يفقهون في تأثيرها على الاقتصاد الوطني. ويدري السيد الرئيس أن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية قد تم التصويت عليها بالأغلبية بعد أن زال شرط المستوى الدراسي الذي وضع من أجل قطع الطريق على الاميين ومنعهم من دخول مجال التشريع. وانتصر المحامون عن الأمية حتى يحتل الجاهل بالشأن العام مكان العارف. ولنا في جلسات البرلمان المنقولة تلفزيونيا خير دليل. قبل عقود كنا نرافق وزير المالية لكي نحضر الأجوبة خلال جلسات اللجان المختصة. وكنا نخاف من تدخلات النواب ذوي الخبرة والكفاءة. هذا اليوم الذي نعيشه لم يعد صعبا على الوزير. أصبحت مواجهة نواب الأمة في غاية السهولة سواء تعلق الأمر بسؤال حول آلتدابير الجبائية أو الجمركية أو تلك التي تتعلق بكل مكونات الميزانية. قليل هم نواب الأمة الذين يحرصون على مخاطبة الحكومة بالرأي والدليل والاقتراح.
وفي ظل كل ما سبق، يطل علينا رئيس مجلس النواب ليقول أن المجلس الأعلى للحسابات يجب عليه قول حسن في فعل حسن. هذا ليس دوره أيها الرئيس. مؤسسات الرقابة والافتحاص والتقييم ستحيد عن دورها إذا استحسنت ممارسات تدبيرية موازاة مع خلاصات تشير إلى مكامن نقص أو اختلالات في التدبير.
فلنترك مؤسسات الحكامة الدستورية تشتغل بمهنية وبنقد بناء قد لا يفهمه الكثير من المشرعين. لكل ما سبق فلندعو إلى أن تزيد فاعلية ونشاط أجهزة الرقابة ببلادنا لسبب واحد هو محاربة جاهل ذو مال يدبر شأنا عاما ويغتني بدون سبب ويغش الضرائب والضمان الاجتماعي. فلنترك مؤسسات الرقابة دون وصاية من أي كان. تدخل أعداء الشفافية للحد من التدخل المهني العال للمفتشية العامة للمالية ونجحوا في الحد من عملياتها بعد أن وضعت الأصبع على مكامن الداء. بعد أن أصبح القضاء يجد في هذه المؤسسة كل عوامل المهنية التي تكشف سوء التدبير العام. ولمن لا زالت لديه رغبة في تصحيح الأوضاع أن يطالب بعودة الروح إلى مؤسسات الرقابة المالية وعلى رأسها المفتشية العامة للمالية. والسلام على من يطمح إلى وطن يقظ يحارب من يريد زعزعة الإيمان بمستقبل واعد لوطننا.
تعليقات ( 0 )