كادت تصبح قصة عودة الروح إلى مسرح سيرافنتيس بمدينة طنجة جزءا من حكايات ألف ليلة وليلة. لطالما تكلم أهل الفن والثقافة عن مشروع إعادة إعمار هذه المعلمة التي تحمل ذاكرة عميقة الأثر في نفوس أهل عروسة الشمال. من ساعده الحظ لزيارة هذا المسرح الجميل يكاد يسمع أصواتا آتية من الماضي. خشبة المسرح وشرفاته وصالة العرض بنيت بذوق رفيع بتمويل من تاجر إسباني وتم افتتاحه سنة 1913 بعد سنتين من الأشغال. وبلغ عدد مقاعده في ذلك الوقت 1400. وقد صممه المهندس المعماري ديغو خمينيس امسترونغ الذي تعامل مع معطيات المكان وصعوبته بمهنية عالية وتم الإنجاز بجمالية متميزة على مساحة 2400 متر مربع.
كثيرة هي الإبداعات المسرحية التي جذبت جمهورا كبيرا من جنسيات متعددة كانت تعيش في طنجة الدولية آنذاك. من شكسبير إلى موليير وانريكو كاروسو والحداد. ويتذكر قدماء طنجة ممثلين ومخرجين من مصر شاركوا فو كيف تألق يوسف وهبي على خشبة المسرح وكيف رقصت تحية كاريوكا على ايقاعات الموسيقى العربية الأصيلة.
وترهل المسرح بعد سنوات من تقديم عصارات الإبداع المسرحي والغنائي ثم بدأت رحلة الألف ميل لإعادة البناء والتأهيل. وقعت اتفاقيات للتمويل وكتبت عرائض بإمضاءات مثقفين مغاربة وأجانب وصدق المهتمون ما ورد من وعود كان آخرها سنة 2007. وظنت روح الكاتب الكبير سيرفانتيس أن المكان الذي يحمل إسمه في وسط طنجة سيعود إلى وهجه. ولكن الحلم ظل حلما وفي كل مرة كان مشكل التمويل يطرح ويعيق انطلاقة إعادة البناء. كل هذا في الوقت الذي عرفت فيه عروسة البوغاز حركة معمارية كبيرة منذ سنين شملت بنيات رياضية كلفت الملايير. وظلت الثقافة تبحث عن تمويل لمعلمة تحمل جزءا كبيرا من الذاكرة الثقافية للمدينة.
وخلال جولة قادتني إلى الشارع الذي يوجد به المسرح تفاجأت بوجود صورة جميلة لما سيصبح عليه المسرح بعد الإنجاز.
الصورة جميلة ومغرية جدا ومفرحة أيضا ولكن الشك سيطر على ذهني بالنظر إلى سلسلة الإعلانات السابقة عن إمكانية بداية الأشغال لرجوع المسرح في حلة جديدة تعكس مجده الذي كان. ولكن قراءة لوحة الإعلان عن شكل الأعمال التي ستنجز والشركة ومكتب الاستشارة الفنية وخصوصا المؤسسة المشرفة على التنفيذ جعلني أطرد الشك المنهجي واتيقن أن الأمر جدي للغاية.
مسرح سيرفانتيس بين أيدي أمينة. وكالة تنمية الشمال هي المسؤولة عن الإنجاز وهذا ضمان كبير لرؤية المسرح في حلته الجديدة بعد انقضاء الفترة المحددة للإنجاز. هذه الوكالة لها تاريخ في حسن الإنجاز ومشاريعها المنجزة من الحسيمة إلى طنجة مرورا بتطوان وكل المراكز الحضرية والجماعات القروية التي تشكل مجال تدخلها جغرافيا. وللعلم فاغلب المشاريع التي تم إنجازها في الآجال المحددة وفي إحترام تام للجودة أشرفت عليها هذه الوكالة. كلما مارست رياضة المشي من شاطىء مرقالة بطنجة إلى الميناء ثم إلى الكورنيش، كلما شعرت بأن مؤسساتنا الوطنية حين تخضع لحكامة جيدة يتقدم الوطن. لا أجامل احدا ولكن اعكس ما رأيت في كل تفاصيله. المهم هو الإنجاز في ظل المحاسبة والتقييم وقول كلمة حق في المتميزين من أبناء الوطن.
ويظهر من خلال معطيات المشروع أن كل الاحتياطات قد تم اتخاذها للتعامل بمهنية مع مشروع إعادة تأهيل مسرح سيرفانتيس الذي بني بالحجر وبالإسمنت المسلح والذي تم بناء سقفه عن طريق إطار معدني وإطار خشبي. وقد خصص لهذا المشروع مبلغ يصل إلى 60 مليون درهم. وتتضمن الخطة التمويلية مساهمات ولاية طنجة ومجلس المدينة ووزارة الثقافة. وينتظر أن تتم نهاية أعمال إعادة تأهيل المسرح في شهر دجنبر 2024. وبالطبع يجب ألا تكون عملية إعادة الحياة إلى هذا المسرح مجرد أشغال للترميم ولكن عملية ثقافية تجعل منه مكانا للإبداع المسرحي والغنائي والسنيمائي. لا نتمنى أن يحتضن أنشطة ذات طابع سياسي حتى لا تتلوث ذاكرة المكان بما أصاب ممارسة السياسة من أمراض لم ينجح في القضاء عليها دستور متقدم ولا دعوات سامية إلى تنظيف بيوت حزبية من كائنات غريبة تسللت إليها.
تعليقات ( 0 )