هل كنا بحاجة لأزمة مع فرنسا لنقتنع بأن تعليمنا بحاجة إلى اللغة الإنجليزية بدل الفرنسية التي صارت تحتضر.
الكثيرون تعاملوا مع قرار سفير المغرب السابق بفرنسا، ووزير التعليم الحالي القاضي بتعميم اللغة الإنجليزية بالمستوى الإعدادي على أنه قرار “تاريخي” لكن الوزير تراجع مباشرة بعد قرض بقيمة 165 مليار.
لكن لنعد قليلا للوراء، ونقف عند اللحظة التي وصف فيها سعيد أمزازي وزير التربية الوطنية السابق التصويت على القانون الإطار الذي فتح الباب مشرعا لفرنسة التعليم بأنه” لحظة تاريخية”.
الواقع أن هذا الرجل الذي صبغ في آخر لحظة بلون حزبي، ليسقط على وزارة قيل أن “عصابة تتحكم فيها”، كان يستحق منصب الناطق الرسمي بإسم اللوبي الفرنكفوني، مادام قد استبق التصويت بمراسلات وزعت على المصالح الإقليمية والجهوية تحت على الشروع الاستعجالي في “الفرنسة”.
والحقيقة أن هذا اللوبي الفرنكفوني الذي صارت وجوهه معروفة. كما هو معروف عدائه الشديد للغة العربية بعد سعيه الفاشل والمفضوح لفرض “الدراجة”، لم يكن فعلا بحاجة إلى مرافعة أمزازي، أو مصادقة المؤسسة التشريعية، لأن مسلسل “الفرنسة” انطلق فعلا منذ عهد الوزير بلمختار.
كما أن هذا اللوبي هو الذي مكن التيار الفرنفكوني من العودة للواجهة من خلال سلسلة من الاتفاقيات التي أبرمت علنا لتدخل المدرسة العمومية حظيرة” الفرنسة”من جديد، في الوقت الذي كانت فيه الحكومات مشغولة بكيفية رفع الدعم عن “البوطا” والسكر والدقيق.
منذ البداية كان هناك إصرار غير بريء على إعادة ربط تعليمنا بلغة المستعمر التي لازالت جاثمة على تعاملاتنا الرسمية ووثائقنا الإدارية، في انتهاك سافر للدستور.
واقع يفسر تعامي من يصنعون القرار في الكواليس، عن الدعوات التي طالبت باعتماد اللغة الانجليزية كما فعلت عدد من الدول ومن بينها الجزائر، بل وكما فعلت فرنسا التي تتجه لتعزيز التدريس بالانجليزية لتمكين طلابها من آفاق دولية أوسع.
اليوم ومع هذا التخبط بين الفرنسية والانجليزية تأكد أن من يتحكمون في طبخ بعض القرارات الحاسمة هم أناس يعيشون بيننا، لكنهم لا يشبهوننا في شيء، ولا يتحدثون لغتنا.
لنتذكر جميعا المداخلات المملة والإنشائية للأحزاب في جلسة التصويت على القانون الإطار، والتي كانت مجرد واجب مدرسي أداه الجميع بشكل ببغاوي، بعد التعليمات التي صدرت، والتي هرول الجميع بعدها للموافقة على القانون الإطار، في خطوة كشفت أن النقابات والأحزاب بضجيجهما، والمؤسسة التشريعية، والحكومة، صارت مجرد واجهة ليس إلا.
التعليم خط أحمر، والمستقبل الدراسي لأبناء المغاربة كان يجب أن يبقى بعيدا عن التجاذبات السياسية التي ينتصر فيها كل طرف لأجندته الخاصة.
لكن ما حصل اليوم هو أن التعليم أقحم في معارك سياسية بدون ضفاف، وتحول إلى أداة في الاستقطابا،وعلاقات المد والجزر التي جعلت الطريق سالكا ومعبدا على عهد الحكومة السابقة لتعود الفرنسية بقوة إلى المناهج التعليمية على حساب اللغة العربية التي يرى بعض المهووسين بحب فرنسا أنها لا تصلح للعلم.
حدث ذلك تزامنا مع دعوة عدد من الوزراء الفرنسيين لتعزيز مكانة اللغة الانجليزية، لكننا وجدنا بيننا من يدافع بشراسة عن ضرورة عودة الفرنسية للمناهج المغربية والتدريس بها، في خطوة تكشف حالة “التلفة” التي يسعى البعض لإغراق التعليم فيها عن عمد، والتي ستتنج لنا أجيالا تائهة.
الأمر يعني وببساطة أننا وعوض أن نبسط الأمور نسير إلى تعقديها أكثر.
تماما كمن يقول أن العملية نجحت لكن المريض مات.
والمريض هنا هو التعليم الذي سيتحول إلى فوضى تركز بالأساس على صرف الملايير في استبدال المناهج والمقررات وتغيير لغة التدريس عوض تغيير نظرة الدولة التقليدية للقطاع.
اللافت أن بعض السياسيين سامحهم الله يسوقون دون حرج لهاته المعركة وكأنها انتصار للتعليم ولجودته، متناسين أن اول خطوة حقيقية لإنقاذه المدرسة تمر عبر تحصين مناعتها في وجه املاءات البنك الدولي، ورد الاعتبار للمعلم ، وتخليص القطاع من لوبي الفساد، وجوقة المتفرنسين، والمتوجسين من خطر خلق أجيال بتعليم جيد.
التاريخ لا يرحم وله ذاكرة قوية.
تعليقات ( 0 )