من يتابع حصيلة مجالس الجهات مند إحداثها، كرهان استراتيجي، لا يمكن إلا أن يخرج بقناعة مؤسفة مفادها أننا تورطنا ومن جديد، في خلق مؤسسات تائهة، وبدون بوصلة….
الأكثر من ذلك أننا صرنا أمام مؤسسات تنتج جيلا جديدا من الفساد وأشكالا متطرفة من تبديد المالي العام كما حدث بجهة كلميم مع فضيحة تخصيص حوالي نصف مليار سنتيم للزرود والولائم في ظرف شهرين فقط .
اليوم يتضح أننا أمام مؤسسات تحمل نفس جينات المرض الذي لازالت تعاني منه معظم المجالس المنتخبة.
هذا الأمر كان متوقعا بل ومحسوما مادامت نفس العينات والعقليات التي تحكمت ولسنوات في الجماعات ومجالس العمالات و الاقاليم، هي ذاتها التي انتقلت لتولي المسؤوليات في الجهات، مستفيدة من العقم المتعمد الذي يحول دون إنتاج الأطر، وتدوير النخب.
بل إن بعض الوجوه المحروقة سياسيا والتي راكمت الفشل والفضائح اختارت الاختباء في رئاسة بعض الجهات كنوع من الراحة والترف المؤدى عنهما من المال العام.
اليوم يمكن الجزم بأن مجالس الجهات، ورغم الاختفاء خلف إشكالية الاختصاصات، لم تستطع إلى الآن أن تستقر في شخصية واضحة.
كما عجزت وبشكل مريع في تحديد آليات وأساليب ومجالات اشتغال تتناسب مع الجهد التشريعي والمالي الذي بذل من أجلها، ولذلك غرقت في اتفاقيات الشراكات غير المنتجة التي تكلف مئات الملايير، وفي التكوينات، وفي مشاريع الزفت وإعادة التأهيل، لتجنح بعيدا عن الأهداف التي خلقت من اجلها.
هذا الوضع لم يتم العمل على تداركه رغم الرسالة الملكية التي وجهت إلى المشاركين في أشغال الملتقى البرلماني الثالث للجهات، والتي نبهت إلى أن الأمر لا يتعلق بحجم الصلاحيات فقط، بل “يرتبط أساسا بكيفية ممارستها، وقدرة كافة الفاعلين، لاسيما المنتخبين، على التحلي بروح المسؤولية العالية، وترجيح العمل الجماعي البناء، وتجاوز كل الاعتبارات الضيقة”.
رسالة كانت أكثر من واضحة حين أكدت أن المغاربة لا يريدون مؤسسات جهوية “حبرا على ورق”.
كما دعت إلى القطع مع الاتكالية في التمويل من خلال تجاوز القنوات التقليدية،والتحلي بالقدرة على ابتكار الحلول لتتحول الجهات إلى قنوات لإنتاج التنمية، عوض تكريس وضعها الحالي كوكالات للأسفار والامتيازات، والتعويضات، والشراكات، والتمويلات السخية، وكقناة لتمرير المصالح، وتصريف الصراعات والحسابات السياسية والانتخابية.
.
تعليقات ( 0 )