إذا كان الجميع يحسب لأمزازي قدرته على استيعاب إكراهات مرحلة كورونا غير أنه بقي على الحياد مع ملفات الفساد الكبيرة داخل الوزارة.
هو النهج ذاته الذي يسير عليه الوزير لكن قد يحين الوقت، ولو بعد سنوات، ويجد الرجلان نفسيهما في مواجهة انتقادات لاذعة بل واتهامات بالتستر على فضيحة من العيار الثقيل اسمها برنامج “جيني”.
فضحية لم يسجل بشأنها كل من أمزازي وبنموسى أي موقف عكس سلفهما حصاد عندما اكتشف أن في وزارته مديرية خاصة بالعالم الرقمي إسمها مديرية ” جيني” الذي أبقت هذا المشروع جنينا لثلاثة عقود، فيما كبرت وتضاعفت الميزانيات المالية التي رصدت له على مر أربعة عشر سنة.
40 ألف حاسوب كانت تشكل الحظيرة المعلوماتية تحولت لخردة
في سنة 2004 تم تشكيل فريق عمل مكون من وزار التربية الوطنية والوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بهدف إعداد استراتيجية لتعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال على مؤسسات التعليم العمومي، وبعدها توالت عدة مخططات ومشاريع رفعت تحدي تطوير المحتوى الرقمي وتطوير ومواكبة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في مؤسسات التعليم العمومي.
هذه المشاريع تم التعامل معها بمنطق “الهمزة” بعد أن رصد تقرير للمجلس الأعلى للحسابات أن الاختلالات رافقتها مند انطلاقتها ،عد أن تم في الفترة الممتدة ما بين 2006 و2008 تجهيز 2534 قاعة متعددة الوسائط بالحواسيب عبر اقتناء المعدات من متعهدي خدمات القطاع الخاص غير الفاعلين المحليين في قطاع الاتصالات، في حين تم التعاقد مع شركات الاتصالات الثلاث لتوصيلها بخدمة الانترنت في إطار صفقات انتهت
بهذه المعدات والبرامج التي كلفت ميزانية الدولة مليارات السنتيمات الى متلاشيات، وخردة، ضلت دون استغلال.
تقرير المجلس الأعلى للحسابات وقف عند الاختلالات المرتبطة بانعدام الربط، وضعف الحوامل الرقمية، ومشكل الصيانة الذي تبرأ منه الجميع بدعوى أن الصفقة تكلفت بها جهة خارج الوزارة، إضافة إلى مشكل التكوين الذي جعل العديد من الأطر داخل المؤسسات يتملصون من مسؤولية وتداعيات هذا البرنامج لتبقى آلاف القاعات مغلقة دون استغلال.
وكان المجلس الأعلى للحسابات قد اصدر في سنة 2014 تقريرا نبه فيه إلى الاختلالات والنواقص التي تشوب برنامج جيني الذي يهدف لتعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مشيرا إلى انه و”بعد تسع سنوات من انطلاقه لم يتجاوز استخدام التلاميذ للوسائل المعلوماتية 18 دقيقة في الأسبوع.
كما رصد التقرير عدم تمكن الأساتذة من إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والتعلم، وهو الأمر الذي تفاقم بسبب طبيعة تجهيز المؤسسات التعليمية، التي بقيت رهينة معدات وحواسيب متقادمة.
ذات التقرير أشار إلى أن توفير الحقائب المتعددة الوسائط لم يتعدى 71 في المائة، في حين لم يتحقق الهدف الأول للمشروع والمتمثل في تجهيز القاعات المتعددة الوسائط إلا بنسبة 24 في المائة.
من جهة أخرى شهدت عملية اقتناء الموارد الرقمية صعوبات ومشاكل، جعلها تنطلق متأخرة في منتصف عام 2009 واستمرت بشكل بطء جعلها تتجاوز سنة 2014 دون أن تكتمل رغم الأهمية التعليمية للموارد الرقمية، والتي صرفت عليها وزارة التربية الوطنية حوالي 60 مليون درهم.
كما رصد جطو أن الوزارة وعوض اعتماد البرامج مفتوحة المصدر والأكثر أمانا وأقل تكلفة، لجأت إلى اقتناء البرامج مسجلة الملكية التي كلفت حوالي 43.7 مليون درهم، ضمن صفقات استفادت منها بعض الشركات.
20 مليار بددت بجرة قلم
تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم العمومي بالمغرب كان يعد أحد المشاريع الأساسية لورش المغرب الرقمي الذي حدد سقف أهداف جد مرتفع مقارنة بالنتائج الكارثية التي انتهى إليها، والتي لم يتم محاسبة المسؤولين عنها، أو التدقيق في الصفقات المرتبطة بها، رغم التقرير الأسود الذي أصدرته أعلى هيئة رقابية ممثلة في المجلس الأعلى للحسابات.
اللافت وفق ذات التقرير أن الوزارة التي هرولت للتعليم عن بعد خلال فترة كورونا كانت قد أوقفت في سنة 2009 وبشكل مفاجئ جميع المشاريع المتعلقة بتجهيز المدارس الابتدائية بالقاعات المتعددة الوسائط بدعوى أن التلاميذ “لم يعتادوا التنقل من قاعة لأخرى ما نجم عنه نسب استخدام متدنية للمعدات”، لكن هذا القرار الغريب جاء بعد أن تم صرف ما يناهز 20 مليار سنتيم لتجهيز 1053 مدرسة ابتدائية.
هدا الرقم الضخم جعل الوزارة تنفخ في التبريرات الهشة المقدمة للتنصل من المسؤولية ودفن جميع التفاصيل المالية، بعد أن عادت واعتبرت أن قرار وقف تجهيز المدارس الابتدائية لا يعود لعزوف التلاميذ عن استعمال الحواسيب فقط، وإنما راجع أيضا لهيئة التدريس بهذا السلك، والتي لا تمتلك حسب الرد المقدم للمجلس الأعلى للحسابات المهارات اللازمة لدمج تكنولوجيا المعلومات والاتصال ما يعني أن 20 مليار سنتيم من المال العام بددت دون جدوى.
الأفدح هو أن عدد من مسؤولي الوزارة وعوض التركيز تطوير مهارات الأساتذة قاموا بتفريخ صفقات جديدة من خلال اقتناء مختبر الحواسيب، وبعدها العربات المتعددة الوسائط ،والسبورات التفاعلية التي انتهت صفقاتها بفضائح مدوية، لازالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تنبش في ملفاتها، إضافة إلى الأجهزة المتنقلة الرقمية، والحواسيب المرافقة الفائقة الحمولة لتعمد وفي تكريس للعبث إلى تجهيز المدارس الابتدائية بحقائب متعددة الوسائط بدعوى انها قامت بتقييم كشف أن معدل استخدامها تجاوز 80 في المائة فيما لم تتجاوز نسبة استخدام القاعات متعددة الوسائط 16 في المائة.
التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات نبه أيضا للفشل الذريع في وضع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وعدم فعالية المقاربة المتبعة، والتي انتهت بانقطاع تعلم التلاميذ من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والتواصل.
ومن بين المعطيات الصادمة كون الوزارة أنفقت 6 ملايير لاقتناء الموارد الرقمية في إطار رخصة استغلال، دون أن يكون لها حق الحصول على شفرات تتيح لها تعديلها وتحسينها، كما لم يتم ربط التجهيزات التي تم اقتنائها في إطار شبكة معلوماتية موحدة تربط مؤسسات التعليم العمومي ببعضها.
أهداف وأموال تبخرت دون محاسبة
فشل جميع المشاريع الهادفة لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم لا يطرح فقط أسئلة عن مصير المعدات التي تم اقتنائها من خلال عشرات الصفقات وطلبات العروض التي لازالت بعض تفاصيلها وبصماتها مدرجة في الموقع الرسمي للوزارة.
بل يطرح أيضا أسئلة عن سر تعامي الوزراء المتعاقبين عن الاختلالات التي حصلت، والتي انتهت بتبخر الأهداف التي كلفت خزينة الدولة عشرات المليارات، ومن ضمنها المساهمة في تحسين جودة التعلمات وذلك من خلال تعميم الأداة المعلوماتية بمختلف استعمالاتها داخل المدرسة المغربية، و تجهيز كافة المؤسسات التعليمية بالعتاد المعلوماتي وربطها بشبكة الانترنت، و تكوين وإنماء القدرات المهنية في مجال استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في المجال التربوي لفائدة الفاعلين التربويين(هيأة التدريس، هيأة التأطير التربوي، هيأة الإدارة التربوية).
كما تضمنت لائحة الأهداف اقتناء وملائمة وإنتاج الموارد الرقمية ووضعها رهن إشارة المدرسات والمدرسين والتلميذات والتلاميذ عبر البوابة الرقمية وتطوير استعمالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال التحسيس بقيمتها المضافة في التدريس ومصاحبة وتتبع الممارسات المرتبطة بإدماج هذه التكنولوجيات في منظومة التربية والتكوين.
اللافت أن الوزارة لم تكتفي بالمليارات التي صرفت على اقتناء المعدات بل استهلكت ايضا ميزانيات ضخمة في التكوينات التي تم تمرير الأموال المخصصة لها بدعوى تمكين الاساتذة من الاستئناس بالمبادئ الأولية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم وتعلم أنظمة التشغيل، والبرامج المكتبية، وتصميم الموارد الرقمية، قبل أن يعيد فيروس كورنا للواجهة الاختلالات الخطيرة التي رافقت هده المشاريع، ويكشف سر تخبط الوزارة في اعتماد التعليم عن بعد بهذه الصيغة الباهتة والارتجالية التي أثارت انتقادات شديدة من طرف فعاليات تربوية دعت لفتح تحقيق نزيه في ميزانيات التعليم الرقمي.
تعليقات ( 0 )