فاتح ماي لهذه السنة كان بمثابة جنازة أعلنت بشكل صريح موت النقابات بالمغرب، بعد أن تحولت المنصات الاحتفالية إلى مآتم تحلق حولها عدد أقل مما يمكن لحادثة سير أن تجتذبه.
الاحتفال تحول إلى نكبة حقيقية كشفت بالملموس أن زمن النقابات قد ولى، وأن المغاربة فقدوا الثقة ليس في الأحزاب فقطـ.
بل أيضا بالنقابات والزعامات.
وأساسا في الوجوه المحنطة التي تنتمي لزمن الحرب الباردة، والتي لا تجد حرجا في الاتجار بملفات الكادحين، و ترديد شعارات صدئة حول النضال، وضرورة ردهم الهوة بين الأغنياء والفقراء، في الوقت الذي تتمتع فيه بعيشة مترفة تشبه حياة كبار رجال الأعمال.
حديث النقابيين ممن يدخنون “السيكار” ويتناولون” الكافيار”لم يعد ينطلي على المغاربة، بعد أن تابع هؤلاء مسلسل التهافت على الريع، والتفرغات، والتفاوض تحت الطاولة باسم الطبقة الشغيلة لحصد المكاسب الشخصية،وتوزيعها على المقربين مع طبخ المؤتمرات للتجديد لقيادات أبدية.
لقد كانت ولادة التنسيقيات إعلانا صريح بقرب موت النقابات، وهي الرسالة التي تعامى عنها هؤلاء ليقينهم بأن التسليم بهاته الحقيقة يعني التخلي عن دجاجة طالما باضت ذهبا، وصنعت تجارة مربحة من خلال تواطئات معلنة وخفية على حساب مطالب العمال والفقراء.
فاتح ماي دق ناقوس خطر جديد من أن المجتمع المغربي لم يعد يجد من يدافع عنه، أو يترجم أفكاره، ومطالبه.
كما عرت حقيقة أن الفراغ يزحف بشكل سريع وخطير، بعد أن أصبحنا في مواجهة مجتمع مخنوقو بدون بوصلة، وأحزاب كسيحة، ونقابات تحولت إلى أصل تجاري لدى قيادات شاخت، وتجاوزت سن التقاعد بكثير، دون أن تقلع عن إدمانها للكراسي والمناصب.
هذا الفراغ يهددنا جميعا في ظل السعي لتكريس هذا المشهد، والتطبيع معه. وفي ضل الاستنزاف المتواصل لما تبقى من رصيد ثقة المغاربة، وتوالي المؤشرات المقلقة التي قد توصلنا قريبا للحيط.
تعليقات ( 0 )